السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أصدقائي الأوفياء ..
كنت أتمنى كثيراً أن أجوب العالم، حتى أدرك تماما حقيقة أننا لسنا وحدنا في هذا الكون .. هناك المليارات غيرنا، ملايين الأفكار والأشكال وطرق الحياة .. هناك تاريخ آخر تماما وقصص مختلفة بشكل جذري .. في السفر شيء يكسر الألفة والعادة .. شيء يقضي على الروتين .. في السفر اتساع دماغي يجعلك تحب الله أكثر .. وربما تحب نفسك أكثر ..
سأحاول التدوين بشكل مستمر عن مذكرات سفر، لن أذكر أي شيء تماما عن جدول الحجوزات و أسعار الفنادق ولن أكتب أسماء الفنادق – ابتعادا عن ترويج الهياط وتشجيعه – سأتحدث عن السفر كتجربة ، كرحلة انتقال من حالة إلى حالة ، عن الطريق بذاته. لست مدونة سياحية تخبرك بأجمل الفنادق والوجهات لكن سأكتب عن أجمل المحطات في رحلاتي الصغيرة، عن ما أثارته فيني .. عن مافعله التاريخ والحاضر ..
اوه هذه ألمانيا إذا .. جميلة .. جميلة جدا .. متنوعة . عملية .. هادئة ومكتضة .. نظامية جدا جدا . هذه ميونخ إذا كأول محطة في شهر العسل .. ذهبنا لمعظم المعالم السياحية المعروفة ، وقعنا في غرام ميونخ كمدينة ، استمتعنا بكل لحظة هناك سواء كانت مرهقة أو مريحة .. توجهنا أحد الأيام إلى متحف بي ام دبليو وفي متجر الهدايا كنت “اتفرج” على البطاقات البريدية وأشكالها وأختار ما أريد شرائه .. تقدم فهد زوجي بجانبي لفتت نظره بطاقة بسرعة وقال:
– واااو وش هذا المكان أبي نروح له من جد.
نظرت بسرعة إلى البطاقة و “درعمت “: يجنننننننننننن 😐 وشو هذا خلينا نسأل وين فيه، أبي نروح صدق.
بحثنا عن المكان باسمه عن طريق قوقل واتضحت الرؤية ، سؤال من هنا وهناك عرفنا أين يقع المكان الساحر ، اتفقنا مع الـ concierge في الفندق ورتبو لنا رحلة لقلعة نوشفنشتاين في يوم الغد مباشرة .. الساعة الثامنة موعد تحرك الباص لمدة 12 ساعة خارج ميونخ ..
الطريق لا يمل والمعلومات المقدمة بواسطة المرشدة في الرحلة رائعة وقيمة، جعلتني ألازم قوقل للبحث أكثر عن هذه القلعة التي ألهمت والت ديزني حسب ما قاله الكثيرون.
تعودنا من القلاع أن تكون بنيت لسبب دفاعي بحت، لكن هذه القلعة / القصر أمرها مختلف تماما ، فقد بناها ( لودفك الثاني ) ملك بافاريا ليهرب من العالم الذي لم يعجبه إلى عالم خاص فيه وكما يريد .. استلم الحكم بعد وفاة والده وعمره 18 عاما ، وكان مغروما بالموسيقى والفن والعمارة . افتتن بالمؤلف الموسيقي هاغنر فاستوحى قلعته هذه ( نيوشفنشتاين = حجر البجع الجديد = نسبة إلى أحد شخصيات الأوبرا للمؤلف هاغنر). كان يحب الطراز والتاريخ الفرنسي، فبنى في مخيلته عالم لايمت للواقع المليء بالحروب انذاك بصلة .. فحينما حوربت بافاريا خطرت في باله فكرة أن يعزف الموسيقى أمام جند العدو داعيا إلى السلام لكنهم تقدموا وقتلوا جيشه وهزموه .. أمر ببناء قصر لندهوف وقلعة نويشفنشتاين حتى يقضي فيها أياما تشبه مخيلته، طراز رفيع وموقع ساحر ، استدان الكثير ورهن الكثير حتى ينتهي بناء هذه المعالم .. وكما سمعت أنه لم يمس ميزانية الدولة آنذاك لكنه استدان على حسابه الخاص. مات ولم يكتمل بناء مدينة أحلامه .. لم يسكنها غير 11 يوما ثم بعد ذلك عزل من حكمه بتهمة الجنون وتوفي في ظروف غامضة مدعين بأنه انتحر، وغيرهم يقول أنه كان مقتولا .. الجدير بالذكر أن تشخيصه بالجنون جاء بدون تشخيص المتهم شخصيا ولكن فقط بالاستناد إلى أقاويل .. مايظهر لي أنها مؤامرة تتكرر عبر التاريخ ولا يعرف أين الحق ولا أحد يملك الحقيقة كاملة ..
يذكر أن هذه القلعة ببنائها كانت الإلهام الأول لوالت ديزني حين رسم قلعة الأميرة النائمة. وبإمكانك ملاحظة ذلك في مدينة ديزني للألعاب حتى لو لم تزرها ..
المهم أننا وصلنا إلى القلعة بعد المرور بمحطتين أحدهما قصر لندهورف الذي انتهى قبل القلعة وسكنه لودفك مدة طويلة نوعا ما على عكس القلعة .. القرية جميلة وهادئة رغم اكتضاضها بالسياح. السماء كانت مفتوحة حرفيا.. مطر غزير جدا إلى درجة أن حذائي “غطس” واضطررنا لشراء معاطف المطر لتغطي الجسم كاملة ومظلات زاهية .. تستطيع الصعود إلى القلعة بالأقدام – الباص ثم تكمل بالأقدام أو عن طريق عربة الخيل .. اخترنا الأقدام بما أننا شباب – واتضح اننا “شياب” 😀 . بدأنا الصعود وكان أصعب من ما توقعته بكثير فالطريق زلق والمطر غزير جدا والجو بارد بشدة لكن كل هذا لم يمنع المجموعات السياحية من الوصول إلى المعلم المهم في ألمانيا ..
هنا تظهر أبراج القلعة من بين الضباب ونحن في الأسفل- القرية
من هنا اتضح لي أن لياقتي صفر وأن النادي الرياضي الذي كنت أذهب إليه لم يكن بالمستوى المطلوب وأن نظام حياتنا أفسد الطاقة واللياقة خصوصا وأنا أرى رجال ونساء حولنا تجاوزوا الأربعين ويتجاوزوننا سرعة ونشاطا، مع العلم أننا لانعاني من زيادة وزن ..
على جانبي الطريق غابة رائعة لم تتدخل البشرية في شيء منها ، كنت أتوقف طويلا وأشاهد جانبي الطريق ومن بعيد نلمح أحد أبراج القلعة من بين الضباب.. ارتفعنا كثيرا عن سطح الأرض إلى الدرجة التي يمكنني من خلالها أن أشاهد الغيم بشكل قريب جدا ولو صعدت إلى قمة البرج لأمكنني لمسه بشكل مباشر.. “سبحان الله” هذا ماكنت أردده خلال الصعود والنزول .. منظر مهيب وساحر .. تاريخ وجمال طبيعي من صنع الخالق .. طقس يجلب الهيبة بطريقة ما .. كنت أشعر أني أشاهد منطقة من أجمل مناطق الكون على الإطلاق .. الأشجار شاهقة وكبيرة، الأخضر يكتسي المكان .. المظلات الزاهية كانت تزين المكان أكثر وأكثر.
شيء ما حدث في داخلي، لاأعرف ماهو ؟ التاريخ ؟ الطبيعة الربانية العظيمة ؟ القدرة التي أودعت في البشر لصنع أشياء استثنائية ؟ شيء ما لا أعرفه جعلني أشعر أني صغيرة جدا ولكن بإمكاني أن أصنع شيء كبير جدا يبقى لسنوات مديدة . بإمكان أي منا أن يصنع أثرا يذكر له بعد موته مع فارق التشبيه. تساؤلات كثيرة في داخلي، كيف لبشر قبل أكثر من 150 سنة أن يصنعو قلعة بهذا الجمال المعماري ؟ كيف قامو بنقل المعدات والمواد إلى ارتفاع يزيد عن 300 متر؟ كيف قامو برسم الزخارف وتصميم الديكور .. لا أعرف لكن كل ما أعرفه أن هذه القلعة من الفن المعماري السابق لعهده بكثير ..
قبل أن نصل إلى القلعة، أخبرتنا المرشدة السياحية اللطيفة أن نمر قبلها بجسر يربط بين جبلين أوصى ببنائه لودفك حتى يطل على القلعة، لم أكن أتوقع أن المرور بالجسر بهذا القدر من الرعب، فنجن حرفيا معلقين في السماء والخشب الذي تحت قدمي أشعر به يهتز ! التدافع الذي حصل من سياح صينين جعلني أعود أدراجي في منتصف الجسر خوفا من ان يوقعوني بهذه الهمجية الغير مبررة .. أطلقت وصايا وتحذيرات لزوجي بأن يعود معي فالوضع خطر ومن الممكن أن يسقط لكن محاولاتي باءت بالفشل وبالنهاية حظيت أنا بصور قام بالتقاطها من الجسر .. المنظر من على الجسر مهيب جدا وساحر ،، تتأمل بنيان شامخ يشق الغيوم والسماء .. بناء يشبه الأحلام. أقسمت أن أزور المنطقة مره ثانية وأن أصعد على الجسر حينما يكون غير مزدحم في رحلة لاحقة في المستقبل القريب باذن الله 🙂 .
توجهنا بعدها إلى القلعة (كنت أشعر أني في مسلسل Game of thrones ) وصعدنا الدرج الدائري وتجولنا داخلها ووصلنا إلى قمتها لنشاهد منظر ساحر وبحيرة بعيدة فاتنة. الكثير من الغرف لم يكتمل بنائها وديكورها نتيجة لوفاة لودفك التي اضطرت اهله الذين غرقو بديونه فيما بعد أن يوقفو العمل على القلعة ويفتحوها للزوار لمحاولة سداد بعض الديون ( ذكاء ).
انتهت الزيارة وبقي النزول من الهضبة والمطر أكثر غزارة .. و أظن أن البرد الشديد والمطر الغزير تفاعل بشكل سلبي وأنتج لي ألم في ركبتي اليمنى أصبح من المستحيل معه النزول من المرتفع بسلاسة، لكني نزلت على كل حال وأنا “أجر” رجلي. ولازال ذو الخمسين عاما أفضل مني لياقة وصحة 😀 .
عدنا إلى الباص لنعود إلى ميونخ، الباص كان جنة حينها ، دافئ ومريح .. وفي طريق العودة زاد المطر وشعرت أنني في فلم تاريخي لا أود أن ينتهي . وصلنا موينخ ، إلى الفندق تحديدا بعد يوم منهك بشكل عظيم عرفت من خلاله أني الآن فقط عرفت معنى السفر، السفر في نظري لا يمت إلى التجول في شوارع التسوق والمقاهي فقط، السفر هو الإطلاع ، معرفة معلومات أكثر ، السفر انتقال للتاريخ بطريقة ما .. تجربة تضيف لك قيمة معنية وفكرية ثقيلة .. السفر انفتاح على الذات أولا والأخر ثانيا .. السفر تجربة فريدة تجلب التغيير الجيد .. عدا ذلك ليس سفر إنما تقليد ومشاهدة.
أنصح بهذه الرحلة عندما تزور ميونخ او قارمش او حتى الحدود النمساوية القرية من ألمانيا .. في حال كنت تحب الجلوس في مقهى في شارع مشهور ومحاط بمتاجر عالمية، فحتما هذه الرحلة ستكون شاقة عليك ولكنها جديرة بالخوض ..
لن أكتب أكثر، سأترك الباقي لستكشفه بنفسك في حال قمت بزيارتها 🙂 .
Shou83bdullah
الله!
Shou83bdullah
تعليقي مقطوع
Tahani
Beautiful, indeed..
I’m really interested in the Czech Republic and would really love to hear about your experience there 🙂 I have a Czech friend from Prague and they keep telling me how beautiful Prague is, but I’d like to hear about it from a foreigner’s point of view, namely a Muslim girl 😉 Like, how did you feel about the locals, the culture, the atmosphere in general, the Czechs’ hospitality towards tourists, safety, etc.. I also heard that Czech people are stereotypically mean, did you feel that?
Thanks a lot <3
Fadwa
استمتعت وكأني زرت القلعه 😀
الله يكتب لنا زيارة قريبة لها لاستكشاف جمالها
شكرًا نوال
بشرى
ماشاء الله
زادك ربي سعادة
..
بالنسبة لي
شعورك تسلل إلي
كل شيء عبرني كان جميل خلال القراءة ( وجه باكي بفرح)
و بعضه شعور حزين .. لأنني أريد الذهاب الآن ^^ ههههههههه
..
شكراً نوال لما تدسينه بنا من سعادة في كل تدوينة استمري =))
أريج
ممتعه جداً
و كأني كنت معكم
معلومات جديده عليَّ
لطالما تمنيت زيارة ألمانيا
و تدوينتك زادتني حماسه وتمنياً
اسعدك الله
في حفظ الرحمن
د.نجلاء مطري
بالفعل القلعة جديرة بالزيارة هي فنتازيا عجيبة من عجائب الزمن جعلتني أتساءل كما تساءلت: كيف يمكن لبشر عمل هذا العمل الضخم والتفكير بهذه السحرية في ذلك الزمن؟