القابض الباسط

قد تضيق بنا الدنيا، تمر سنوات بدون تغيير يُذكر. بدون أي خبر مُفرح أو انتقال من حالة إلى حالة أخرى أفضل. زواج متعسر، تأخر إنجاب، انعدام فرص عمل وفرص أخرى كثيرة، روتين ممل وقاتل، لاجديد ، لا إنجاز مجرد انتظار محبط لا يبدو لنا من ورائه أية نتيجة. تأتي أيام تضيق بك نفسك، ويضيق بك بيتك، وحياتك، تود لو أنك تسطيع الهروب أو الاختفاء لأيام عن كل الذين تعرفهم سواء تحبهم أو لاتحبهم. أعمال غير منتهية وقد تبدو لك أنها لن تنتهي قط. تتسائل لماذا لا يحصل معي هذا وذاك؟ لمذا لا أتزوج؟ لماذا لم أحصل على العمل الذي يحصل عليه غيري؟ لماذا كل ما أفعله لا يبدو له قيمة؟ الخ وتأتي أيام تشعر أن الله قد صب لك الخير دفعة واحدة، تأتي لحظات يكون فيها إنجازك اليومي مرتفع إلى الحد الذي تشعر معه بسعادة لايمكن وصفها. تتيسر الأمور التي كانت معقدة، تأتيك فرص كنت ظننت أنها رحلت بلا عودة. يرزقك الله من رزقه الوافر مالم يكن في حسبانك بعد ضيق في الرزق. تتبدد الوحشة التي كنت تشعر بها، فتستحيل إلى سعة واطمئنان.

هكذا حالنا في هذه الدنيا بين قبض وبسط، قبض مادي، معنوي أو بسط في أحدهما أو كليهما. إن الامر أشبه بمدرسة، يقبض الله عنك ما يقبض حتى تتعلم مالايمكنك أن تتعمله من قبل، ثم يبسط حتى تعي سعة رزق الله وتدبيره لأمورك مهما فعلت. المهم أن لاتحزن، قد تضيق عليك الدنيا بما رحبت، لأسباب عديدة، قبض من الله لاختبارك أو لتمحيصك أو لكي تراجع ذاتك ومالذي يمنعك. ثم يفرج كل هذا القبض فتعيش البسط من الباسط الكريم.  ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾.

الله عز وجل يقبض ويبسط، من الممكن أن تمر سنوات بدون إنجاز يبهجك، أو يشعرك أنك تتحرك مع هذا العالم السريع، ولكن في سنة وحدة فقط قد تتغير حياتك بشكل مدهش. الصحابي سعد بن معاذ أسلم وعمره ٣٠ سنة وفي ٦ سنوات فقط فاهتز لموته عرش الرحمن إن صحت الرواية.  الله عز وجل يقبض ويبسط، قد يبسط لك في حسنة عملتها بنية خالصة وطيبة فتدخل بها الجنة رغم الضيق الذي كنت تعيشه في الدنيا. فالامرأة التي بسط الله لها حسنتها ودخلت الجنة بكلب سقته، تفوقت على المرأة التي قبض الله أعمالها بسوء فعلته في قطة.

لا تبتئس عندما تشعر أنك منذ زمن تقف في ذات المكان، ذات الحياة، ذات الظروف، سيأتي يوم ويبسط الله لك أمورًا لم تكن تظن أنها ستحدث لك، لا يشغلك هذا العالم السريع بحركته، فالعباد بين قبض وبسط، في الرزق، في الرضا، في الدعوات، في العلاقات، في الحياة كلها. يقبض الله ما يقبض في أمور حياتنا حتى نعود عليه بعد ابتعاد، حتى نعود بيقين أن بعد هذا القبض بسط لا يعدله شيء.

في كل مرة تجد نفسك في هذا المكان الموحش، حين تمر بالظروف التي تشعر معها بأنك جامد في مكانك ، وكل الضيق يتكالب عليك، تذكر اسمي الله عز وجل القابض الباسط, تذكر أن الذي قبض كل هذا عنك، سيبسط لك بإذنه . تذكر أن ما تنتظره من الله آتٍ لا محالة حين بسط. ابحث عن بسط الله لك في أدق الأمور وأجل الأعمال. في استغفار مستمر، في ابتسامة تبسط فيها لأحدهم يوما كان عسيرًا عليه. فكّر في الحج بإخلاص ، فبعده قد تظهر لك الحياة بشكل آخر ويبسط الله لك كل ما قُبض عنك. اصبر على قبضه، فبعد كل هذا القبض بسط يدهش والله إذا أعطى أدهش. تصدق ولو من قليل مالك، فبالقليل يبسط الله لك الدنيا و الآخرة.

تذكر أن تدعو الله باسميه، أن يبسط لك في الدنيا والآخرة ويقبض عنك ماهو شر محض لك، أن يجعل في القبض الذي تعيشه قربة أكثر والتصاقا أكثر بالخالق. وفي البسط مزيدا من الشكر و الطمع في عطاياه.