خمسون كتابا ً | اغتيال العقل.

Date
أكتوبر, 01, 2010

الكتاب الثالث:
اغتيال العقل . محنة الثقافة لعربية بين السلفية والتبعية
المؤلف: برهان غليون
الناشر: المركز الثقافي العربي
عدد الصفحات: ٣١٩ صفحة
Read from August 13 to 23, 2010
حصلت عليه من مكتبة جرير بسعر: ٣٦ ريال سعودي

” علاقة العرب بثقافتهم علاقة معقدة ومتناقضة تتراوح بين الرفض المطلق والقبول المطلق. البعض يراها سبب التخلف والبعض الآخر ينظر إليها كخشبة الخلاص. يحاول هذا الكتاب أن يبين محنة الثقافة العربية ليست إلا مظهرا لمحنة الذات العربية وتشتتها بين التأكيد الشكلي للذات والرفض السلبي للآخر.. ضد الحداثة المضيّعة، والسلفية المفقرة، والتوفيقية السحرية.. يطمح هذا الكتاب إلى أن يفتح للذاتية بابا تطل منه على التاريخ وتبدعه في الوقت نفسه الذي تؤسس فيه نفسها كذات مبدعة. “

هذا الكتاب أعتبره من أدسم الوجبات الفكرية التي قرأتها في هذه السنة تقريبا.. كتاب مليء بالتنظير للواقع وفهم بعض الأيدولوجيات و وجهات النظر الاجتماعية المختلفة. قرأت الكتاب في مدة طويلة بالنسبة لي.. ١٠ أيام تقريبا .. ليس كل يوم أقرأ منه طبعا لكن بعد قراءة ٥٠ صفحة مثلا. كنت أشعر أني بحاجة إلى فهم الأمور أكثر وتدوين العديد من الملاحظات وفهم موقف نفسي أولا من النهضة ومشروع الحضارة..

يقع الكتاب في أربع أقسام.. وهو يتناول الواقع العربي بما فيه من تخلّف وتشرب لقشرة الحداثة بدون هوية.. ويتناول الموقف السلفي والتبعي كل على حدة ثم يتناولهما معا… يوضح الموقف السلفي من النهضة وفهمه لها وكيف يعتبر المنهج السلفي أن الحضارة هي بالرجوع للتراث. وكما يتناول ويشير إلى موقف التغريبين والمنادين بالحداثة وأنهم على النقيض من السلفيين إذ ينادون بنبذ التراث والانخراط في التقدم الغربي مما أدى إلى فقدان الهوية والتراث معا.. أورد تعريف جميل للثقافة والحداثة والحضارة والمدنية وعلاقة كل منهما بالآخر.. طرح موضوع الهوية بشيء من التفصيل المفيد جدا..
الكتاب يقدم أسئلة كثيرة وقليل من الأجوبة.. إذا كنت تنتظر من الكتاب ( كيف ) كثيرة فلا أنصحك بقرائته.. لكنه يقدم لك ال (هل ) وال (لماذا ) بطريقة رائعة ومدروسة جدا.. هذان السؤالان يساعدانك على فهم الموقف الحالي والتصارع القائم تجاه مشروع النهضة وقد يشرح لك ضمنيا بعض أسباب التأخير الذي نعانيه لأنه قائم من سجال الطرفين.. يقدم “كيف” لكنها ليست كاملة تقريبا.. وقد نوه الكتاب أنه لايقدم أجوبة شافية في الموضوع.. ما أعجبني حقيقة هو أنه لايدعو إلى دمج الأيدولوجيتان سوية أقصد السلفية والتبعية والحداثة.. إنما يقول أنه ينبغى أن نتعايش رغم هذا الاختلاف والتناقض.. وليس بالضرورة أن ينخرط أحد في فكرة الاخر المهم أن نتعايش ونحترم الاختلاف ونتوقف عن الهجوم على بعضنا البعض.. وددت لو يفهم هذه النقطة جميع الجماعات المهتمة بالنهضة.. نحن لانطالب أي جماعة بالخضوع لأفكار جماعة أخري لكن نطالب على الأقل بعضنا البعض بالتعايش السلمي والكف عن كوننا حجرة عثر في طريق الآخر.. ونكتفي من كيل الشتائم وتأليف الكتب عن بعض الدعاة والصد عن دعوتهم .. الحقيقة أصبت بالاحباط لأن الكتاب نشر في الثمانيات والآن أنا قرأته في ال ٢٠١٠ ولازال الوضع لايختلف كثيرا عما كان عليه من قبل.. لكن لايهم.. المهم أن نزرع الوعي أولا مهما كلف الأمر ..

: قال في نهاية الكتاب هذا الكلام الرائع

” لاينبغي أن نتعلق ونعلق رأينا العام بأوهام كبرى من نوع أن هذه الأيدولوجية أو تلك هي التي ستنقذ الأمة وأن المطلوب هو التوصل إلي مثل هذه الإيدولوجية. فهذا هو طريق الماضي المسدود وينبغي أن نتخلص من الوهم الراسخ الآخر والقائل أن أصل المشكلة هو افتقادنا لوحدة أيدلوجية أو ثقافية كاملة أو منسجمة أو متجانسة. إن الثقافة المبدعة هي التي تزخر بالخلاف والتناقض والتعدد .وعندما نقول أنه لايوجد حل واحد لجميع المشكلات فنحن نعني أن المشكلات المطروحة اليوم على العالم العربي لايمكن حلها جميعا من أفق ايدولوجية واحدة. هذا غير منطقي وغير ممكن وغير واقعي..”

شعرت أن الكتاب مناسب لأطروحة دكتوراة أو ماجستير أو بحث أكاديمي.. لأن الأسلوب أقرب للأكاديمي.. وخصوصا في إدراجه بعض الدراسات الاجتماعية والنظريات.. عيب الكتاب الصريح أن الفكر غير مبسط.. الأسلوب لاينزل لمستوى أفهام العامة.. وقد وجدت صعوبة كبيرة في المضي بين صفحات الكتاب سريعا.. باعتقادي الفكر ليس صعب أن يبسط وليس من الضروري التعامل مع كلمات ومصطلحات مثل : الابستمولوجي – السكولستيكية .. لا أرى ضرورة لها الحقيقة . الفكر يمكن أن يبسط لجميع الأذهان..

الشيء الاخر الذي لم يعجبني في الكتاب هو كثرة حشو المعلومات والأمثلة الغير ضرورية والاسترسال في الحديث في معظم الفصول.. هناك العديد من الصفحات التي شعرت أنه لاداعي للاسترسال فيها أكثر من ذلك مما أخر عملية القراءة بالنسبة لي. في بعض الفصول شعرت بعدم ارتباط محتوى الفصل بعنوانه.. شعرت بالضياع بين العنوان الذي يتناوله وبين ماجاء كمحتوى.. ويبدو لي هذا بسبب عدم سلاسة الأسلوب أو وضوح الفكر..

نهاية .. هل استفدت من الكتاب:
نعم والحمد لله استفدت.. خرجت بكمية ملاحظات وأفكار واقتباسات رائعة ساعدني على فهم الواقع أكثر وعلى فهم نظرتي أنا للحضارة والنهضة أكثر.. ساعدني كثيرا على فهم نظريات الأطراف الأخرى ودفعني أكثر لمبدأ التعايش.. هي كلمة أود أن أوجهها لجميع من يرى النهضة والتغيير من وجهة نظر معتمدة علي مبادئ طبعا وليست اعتباطا: كلٌ يعمل على شاكلته ومن مبادئه ولايتعرض للاخر ويتمنى له التوفيق لأن الهدف في النهاية واضح وليس من الضروري أن يعيش الاحرين ويعملون على حسب أفكار تعتقد أنت أنها صحيحة.. والفصل بين جميع الأطراف هو الحلال والحرام.

هل أنصح بالكتاب لأحد؟ : ليس تماما.. يعتمد على الشخص ومدى فهمه واهتمامه بمشروع النهضة.

اقتباسات من الكتاب:

قد يتخذ الهرب من المسؤولية صيغا أخرى متعددة منها الأحكام العمومية والسريعة التي تلقي المسؤولية علي مفاهيم عامة كالعقل والوعي والتخلف والتدين إلخ، حتى تعفي نفسها من مهمة التأمل والدرس والتمحيص. وهذه المواقف من الأمور الرائجة عندما تصاب أمة أو جماعة بصدمة كبيرة تفقدها ثقتها بنفسها فتصبح على استعداد لزؤية كل العيوب في تاريخها ورؤية كل المحاسن في تاريخ غيرها.

الاستبداد يفضي إلي تخلف العقل، وتخلف العقل يؤدي إلى تخلف التربية وتخلف التربية يؤدي إلي نقد التراث والدين. وهكذا نظل ندور في حلقة مفرغة منتقلين من المشاكل الثقافية إلى المشاكل السياسية والاجتماعية والتاريخية دون أن نستطيع حسم أي منها.

تغيير الوعي من وعي تقليدي وخرافي ألي وعي عقلي وعلمي هو طريق التطور، وهو بمثابة إعداد التربة الصالحة لكل تغيير إيجابي مقبل. و ” إن بطء هذا التغيير العقلي المنهجي هو المسؤول الأول عن بطء التقدم في العالم العربي وفي سائر أنحاء العالم الثالث. فالشرط الأول للتقدم هو في عقل الانسان . والانسان الواعي لتخلفه وتقدم غيره هو الذي يندفع في طريق التقدم” .

إن غاية التغيير الثقافي لايمكن أن تكون في إقصاء العلم أو إقصاد التراث، وإنما تحرير العقل، أي إطلاق يديه من كل قيد وتوسيع دائرة النقاش واحلوار العقلي. وأي سياسة ثقافية تقوم على فرض أيدلوجية على العقل، حداثية كانت أو تراثية ، تقتل الحوار وتفضي بالضرورة إلى إلغاء الوعي وإلغاء الثقافة كنبع للإبداعات والتجديدات الذاتية وتغلق بالتالي أفق أي تغيير فعلي. إن السياسة الوحيدة المنتجة في الثقافة لايمكن أذن أن تكون إلا حرية الثقافة.

(F)

نوال القصيّر

7 Comments

  1. رد

    Honey

    أكتوبر 1, 2010

    شفت الكتاب في جرير ، كنت أنتظر رأيك 🙂

    ما أعتقد اني احتاج أقرأه حاليّاً ، يمكن على بعيد

    شكراً نوال على التقرير :fff:

  2. رد

    نوفه

    أكتوبر 6, 2010

    رائع رائع جدًا

    أبحث عن كتاب مثل هذا

    بإذن الله سأضعه في القائمة

    شكرًا لك استمتعت بقراءة التدوينة (F)

  3. رد

    ُEhab A. Mohammed

    أكتوبر 6, 2010

    السلام عليكم و رحمة و بركاتة
    كتاب شكلة رائع
    بدور عليه هنا في “مَصر”
    تحياتي

  4. رد

    O

    أكتوبر 7, 2010

    أنتِ لطيفة جدًا و أتابعك في المدونة و تحمست كثير لكتاب أيها المحلفون و بإذن الله هو محطتي الجاية ، جربتِ قراءة كتاب ( مع الله ) لسلمان العودة أو بناتي ؟ وجبات خفيفة .. كنت أبي أطلبك الكود اللي يحذف من الهيدر الاسم و الصفة لكن الحمدلله طلعته لكن ماطاوعني ! يعني قدرت أحذف الاسم و الصفة لكن أبي أضغط على الهيدر يطلعني على رئيسية المدونة تمام مثل مدونتك ماشاء الله تبارك الله .

  5. رد

    ماسة زيوس

    أكتوبر 9, 2010

    اعجبني..

  6. رد

    Alaa

    أكتوبر 10, 2010

    شكراً على هذا العرض الجميل .

  7. رد

    مريم سعود

    فبراير 14, 2017

    يعطيك العافية ساعدتني بتكلمك عن الكتاب يسلمو*

Leave a comment

Related Posts

لمحة

بكل عاديتي وبساطتي وتعقيدي أكتب وأدوّن حتى أنمو أولاً ومن أجل الأثر ثانياً. مدوّنة نوال القصير عمرها طويل فقد ولدت في عام ٢٠٠٦ تعثرت كثيراً وهُجرت أيضاً ولكنها شهدت أعوام من الالتزام بالكتابة. تطوّرت وتراجعت ثم عادت للحياة مرات كثيرة كنبتة جفّت ثم انعشها المطر. أكتب عن الكتب والقراءة، عن كل المفاهيم والقيم التي أعيشها أو أرغب العيش بها ومعها. مدونة للأيام الجيدة والسيئة.

موصى بقراءته