عملية التغيير شاقة مهما كانت ممتعة. وكلما ازدادت غرابتها على أفكار الانسان وموروثاته كلما كانت أصعب وأقرب للمستحيل في نظره. الجمود والركود يعني شيء واحد فقط: ان الأفكار لدى المجتمع انتهت وأنه في طريقه للتخلف لا التقدم. لذلك كانت الشعوب الأكثر رفضا للتغيير أكثرها تخلفا وأصعبها بيئيا في التغيير نحو الصحيح. عقل الانسان -هذا المعجزة- قادر على أن يتبرمج بما اعتاد عليه لا على الصحيح فقط أو على مافطر عليه، وهذا من ابتلائات الله لكي ندفع ما يغشى العقول بين الفينة والأخرى، لكي نساهم نحن في عملية التغيير. إذ أن العقل لوحده -ولا سيما العقل الراكد- غير كافي اطلاقا للحكم على الأمور في بعض الأحيان، العقل الراكد تخذله العادة والعرف، تخذله الألفة والبيئة التي نشأ فيها، يحسب أن ما يراه وما نشأ عليه صحيح وليس بالضرورة أن يكون كذلك ، وفي بعض المرات يكون العكس تماما عن الصحيح، قمة الخطأ. لذلك كانت عملية التغيير عملية قابلة للإعاقة من الانسان نفسه وليس من الطبيعة! لذلك كانت عملية التغيير والانتقال من فكرة إلى فكرة عملية شاقة للغاية للمُغَيِّر و المُغَيَّر، لها معارضين ولها جماهير أيضا، وأكثر مايعيق هذه العملية: الألفة و العادة.
إن الألفة و العادة مسبب كبير ورئيسي في محدودية العقل. وما نراه من حولنا في مجتمعنا هنا يثبت هذا وبشكل كبير، الذي لا يستحث عقله على الاطلاع والتعرف على ثقافات أخرى وعلى قابلية التغيير عوضا عن الوثوق التام في ما يراه ويسمعه سيحيى دائما وأبدا مقتنعا وفخورا بأخطاء ورثها من آباءه حسّنتها في نظره العادة والألفة. والعرف.
يقول لابوسييه في مقالته العبودية المختارة: إنه لأمر يصعب على التصديق أن نرى الشعب متى تم خضوعه، يسقط فجأة في هاوية من النسيان العميق لحريته إلى حد يسلبه القدرة على الاستيقاظ لاستردادها، ويجعله يسرع إلى الخدمة صراحة وطواعية، حتى ليُهيأ لمن يراه أنه لم يخسر حريته بل كسب عبوديته، صحيح أن الناس لايقبلون على الخدمة في أول الزمر إلا جبرا وخضوعا للقوة، ولكن من يأتون بعدهم يخدمون من دون أن يساورهم أسف. ويأتون طواعية ما أتاه السابقون اضطرارا، ذلك أن من ولدوا وهم مغلولوا الأعناق ثم أطعموا وتربوا في ظل الاسترقاق، من دون نظر إلى أفق أبعد، يقنعون بالعيش مثلما ولدوا.
إنها الألفة مجددا، إنها تسليم الأمور للعادة لا للعقل اليقظ ، الباحث عن يقظة ! إن هذه النماذج معيقة للتغيير بشكل أكبر من مانتصوره، تحدثهم عن حريتهم التي ولدوا بها ويتحدثون عن السلامة والأمان، تحدثهم عن فكرة تصحح معتقد بالي وخاوي، فيقولون هذا موروثنا وما عاش اباؤنا عليه وهذا هو الصحيح. إن الألفة والعادة بمثابة غشاء غليظ يحجب عن العقل الكثير من الأفكار الجديدة الأفضل لحياته في كل شيء. ( إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ).
لم تكن الفكرة أوضح يوما ما من وضوحها هنا في سورة الكهف، سورة التغيير ومعوقاته:
( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا )
إنها إذا سنة الأولين، العادة التي نشأنا عليها وألفناها، ولم نشكك فيها . هي ( العقبة ) التي نقتحمها، وربما أصعب العقبات أن تتخلى عن ما نشأت عليه وتقبله عقلك، لذلك كانت التضحية كبيرة، كانت تضحية المؤمنين في أول الرسالة كبيرة حتمت عليهم تغيير البيئة كاملة والانتقال إلى بيئة جديدة في المدينة المنورة، كانت بعض التضحيات جسيمة، التخلي ليس عن الأرض فقط وإنما الأهل و الذكريات وكل ما يحتويه الوطن. من أجل شيء واحد فقط، من أجل الحقيقة التي تأتي مع الإيمان بالله وليس الإيمان بالموروث والعادات.
لُطف
مبهرة يا نوال ، وعظيمَة =”””)
(F)
أروى
يالله يانوال كلماتك عميقة.
فعلاً أخطر الأعداء هم الأعداء الداخليين.
شكراً لقلبك و عقلك وكل شي فيك :lo:
هند
جميلة جدا نوال💐 عميقة