أنا عيناك هما سكني *

أمس كنت أقرأ: الجسد حقيبة سفر – غادة السمان ,
شدني مقطع ( ولا هو الوحيد اللي شدني، ولو بتكلم حرفيا بقول الكتاب كله شدني) ، كانت غادة تقول فيه :

كل رحيل يقود إلى الوطن،مادام الوطن يسكننا، كل الطائرات تهبط بي في أرض الوطن

غبطتها .. : ) ما اعرف الشعور اللي حسيته إلا إنو غبطة ، غبطتها لأنو عندها هالشعور لوطنها
اللي بنفس الوقت أنا ما أحسه .. ما أحس الطيارات كلها راح تهبط في وطني المسجل في أوراقي الرسمية ولو هبطت رغما عني. كل رحيل يقود لغير الوطن .. حقيقة غبطتها لإحساسها بالوطن في المكان ، لمن تحكي عن ايام بيروت ومدن سورية ..
كان للمكان تأثير في نفسها وفي حياتها ..

مالي وطن بالمكان ، وطني يكمن فيني وفي داخلي، وانا من الداخل مملوؤة بصديقاتي
انا صديقاتي هم وطني ، لمن أحملهم معاي بكل دقيقة وبكل ثانية وبكل ظرف، وبكل بسمة وكل دمعة ، اعرف تماما انهم وطني ..
احس إني أشيلهم معاي دايمن ، زي الإنسان لمن يحمل وطنه وذكرياته فيه،
في شنطتي ، في دفتر محاضراتي ، في أغراض الكولاج ، في عدسة الكاميرا، في فولدر الأفلام،في فولدرات الواجبات والبرامج ، في يدي ، بين دولاب ملابسي ، في واجهة بيتنا .. في واجهة كل شي سعيد وحزين .. في كل الأشياء .. وكل الظروف أشيلكم ..
المكان والاشخاص الوحيدين اللي احط عندهم ( اولا – آخرا ) ومعاي كل حقائبي المليانة كلام .. المليانة من كل شيء
وقتها بس اعرف ان انتمائي ماينتمي لمكان ، انتمائي لمجموعة صغيرة صنعتني وانا صنعتها ..
لمن اكون بالمحاضرة ومعاي بالقاعة اكثر من 20 بنت ، كلهم حولي وقراب (مكانيا) مني ، بس افكر بريم
افكر بمحاضرتها ؟! افكر لمن تطلع من البيت وتشيل الوانها ولوحها .. لمن تحاكي البنات .. احس اني اداوم معاها..
لمن اجلس مع بنات ، أي بنات وانا افكر بهادية واقول الحين الساعة عندهم كذا وكذا ، اكيد هادية تسوي كذا
اكيد هادية تناقش الدكتور بالمحاضرة .. لمن فجأة أرسل مسج لنور ، اتخيلها نايمة – قومها المسج ، عصبت سرقت منها احلى نومة وأحلى احلام .
بس قرت المسج انبسطت .. وابتسمت .. لمن أكون أدرس وأفكر : نور أكيد ترتب غرفتها بعد تهزيئة محترمة من أمها ، أو يمكن نور تكلم بالجوال ..
لمن تمر بنت بالجامعة لابسة بربري أو أمر بالسوق من محل بربري وأول ما يخطر في بالي عروب ، وأرسلها مسج أعلق
لمن أتخيل عروب وهي تخز البنات في الجامعة لمن اتصور انها لابسة اسود بأسود اليوم ، مثلي يعني !
كل هالسيناريو اتخيله ، وارسمه واحفظه، والعجيب اني اصدقه !
وأدري انه بيصير في وقت جاي ، بعيد أو قريب ، مايهم ، أي شي، أهم شي انه بيصير. أحس بشعور الوطن بس لمن أكلم رشا وأسمعها تقول: انتي ليش مطلعة جوال أصلاً؟. احس بشعور الوطن لمن نجتمع انا ونوف ورشا، ولمن امي تتصل وتقول تراك تأخرتي بنجي ناخذك واخر شيء ما يجون ..

وطني بأصدقائي .. وبدونهم أنا في المنفى .. ولو رحت لأبعد مدينة أو أبعد بلد بظل أحملهم في قلبي
بظل أحسهم الوطن والمنفى ، الظل والنور ، بظل احسهم الكل ، بظل اشوفهم الأفضل .
بظل أتكلم لهم ولو كان حولي ألف شخص يسمعني ، بظل أسمع لهم حتى لو كنت ما أسمع ..
كل الطائرات تهبط عندكم .. كل الرحيل لايبعدني عنكم ، ولو رحلت باخذكم معي في حقيبة خاصة
في مكان آمن جدا في قلبي.

هذا الشعور العظيم، هذا الشعور الـ كنز ، هذا الإحساس الميتافيزيقي: اللي ما يحسه ولا يعيشه
ولا يشعر فيه بيكون : فقـير ..
ما استغرب أبد ولا انكر إنو : الصداقة أعظم من الحب .. مع الصديق تكون كل شيء ، كل شيييء
الأصدقاء نعمة .. نعمة .. وانتم ياصديقاتي نعمة كبيرة بحياتي .. نعمة غيرت مجرى حياتي.. نعمة ما تتعوض ..

وطني حيث سعدت، لاحيث ولدت او عشت..

* أنا لا أرض ولا سكن ، أنا عيناكِ هما سكني ..