كثيرا ماغيرت كتب علي الوردي من نظرتي للأمور، وكثيرا ما كان يقدم حديثا كان يأكل من عقلي، على رغم اختلافي معه، لكن علي الوردي ساهم في تغيير نظرتي لكثير من الأشياء ، والتي قد لاتُرضي الفكر التقليدي وربما تصعقه.
السؤال الذي كان يلح دائما على عقلي، هل التغيير الشامل والتام من نقطة الصفر إلي نقطة قصوى يحدث في يوم وليلة كما تورده لنا كتب التاريخ، فبمجرد دخول أحدهم للإسلام لا يجعل الأمر منتهي، فالحياة كفاح مستمر نحو الإيمان، ولم يخلقنا الله ملائكة ، ولم يكن التغيير يوما ( فجأة ) في كل جوانب النفس والسلوك والأفكار، فالاسلام بذاته غير المجتمع الجاهلي شيئا فشيئا، وعلى فترات محددة، وبقيت النفس البشرية بنقائصها. كنت أسأل نفسي كثيرا، هل كل من قال لا إله إلا الله – وحتى باقتناع- كفاية للتغيير، ولجعل منا / منهم أبطالا ؟ أين الرواسب ؟ أين ( العقبة ) التي يجب أن يقتحمها الانسان في حياته؟ والتي طبعا لا تُقتحم فقط بالقول. والإسلام يحث دائما على العمل وأن لا إله إلا الله هي تطبيق عملي قبل أن تكون مجرد قول وإيمان راكد. كنت أقرأ في وعاظ السلاطين لعالم الاجتماع علي الوردي، و وقعت علي هذا المقطع:
إن من أفظع الأخطاء التي يقترفها المؤرخون هي أنهم يتصورون المسلمين الأولين انقلبوا أخيارا بعد أن كانوا أشرارا – فجأة واجدة. إنهم أغفلوا بهذا مفهوم الشخصية البشرية.
فليس من المعقول أن ينقي الإنسان قلبه فجأة من العقد النفسية و القيم الاجتماعية، ويصبح ملاكا طاهرا بمجرد (قوله) : لا إله إلا الله.
قال النبي محمد: ” الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام ” ولعله كان يقصد بهذا القول إن الشرير الظالم العاتي لا ينقلب خيرا تقيا بمجرد دخوله في الإسلام، فهو قد يبقى ظالما عتيا ولكنه يطلي ميوله الظالمة بطلاء من الصوم و الصلاة أو من التسبيح و التكبير
أعرف أن البعض سيُصدم وسيقول أن الأمر انتقاص لجيل المسلمين أو حتى أي مسلم ، الخ الخ من الانكار السريع . لكن اخلع رأسك قليلا، وركز في كلامه جيدا -بعيدا عن التشخيص والتقديس- الذي يتناول ظاهرة نفسية – اجتماعية تخضع لتأثير ما نشأ عليه المرء.. في الكلمات بذاتها، (فجأة – قوله – قد ).. لست أزعم أني أوافقه تماما، لكني لا أنكر أن هذه السطور منحتني حرية، وجدت أنها منطقية،، وكلما تفكرت في القرآن أكثر وجدت أن التوجيهات كانت تأتي أيضا للمؤمنين لتوجيه سلوكهم وتعديل رؤيتهم وعتابهم مرات حتى بعد إيمانهم ! الشيء الذي يثبت أن التغيير لا يحدث فجأة والانقلابات النفسية للأفضل لاتحدث إلا بعد تراكمات وتفاعلات أبعد ما تكون عن الفجأة. والنماذج كثيرة. فقط تفكّر.