الحياة ليست سرير بروكرستس

أحيانا، وفي كلام / محادثة عابرة مع صديقة / أخت ، أقول: ياعزيزتي الحياة لست سرير بروكرستس.. الرد: ماذا تقصدين ؟ ومن هو بروكرستس ؟

بداية بروكرستس هو اسطورة -خرافة- يونانية، ابن لبوسايدون. كان لديه سرير حديدي في مكان معقله على  جبل كوريدالوس في إيريناوس، على الطريق المقدس بين أثينا و اليوسس. وكما كان لديه هذا السرير الحديدي كان لديه مرض جنون العظمة، واختزال الحياة على مقاييسه. كان يدعو كل من يمر في الطريق لقضاء الليلة عنده على سريره الحديدي والذي يبدو – عاديا – لمن لايعرفه جيدا. كان من شدة جنونه أنه يرى ان الانسان يجب أن يتوافق حجمه وطوله مع حجم سريره الحديدي، فمن ينام في سريره وهو أطول من السرير لايتورع بروكرستس عن ( قطع) جزء من رجل الرجل، وإن كان النائم أقصر كان يشد الضحية بأدواته حتى تتمزق المفاصل وتتفكك، من أجل أن يرضي جنونه في مقاييس سريره.. العجيب والمضحك والمنطقي بشكل مفاجئ، أن بروكرستس كان لديه سريرين – بشكل سري- لذلك لم يكن أحد ليتناسب مع السرير فينجو. أي أنه كان يقدر الطول ويأتي بالسرير الذي لايناسب الشخص فيجرم فيه. – جنون العظمة ألم أقل لك ذلك -.

هل يذكرك بروكرستس بأحد ما،، عابر ما،، صديق ما، بنفسك ربما.. هل يذكرك بمقاييسنا المريعة التي نعيش بها؟ ألم تتذكر كيف نحصر الحياة في طريقة واحدة أو طريقتين ونطالب الآخرين أن يتبعوها، أليس بروكرستس فكرة متواجدة متوارثة أكثر من أنها أسطورة شخص.. في داخل الكثير منا بروكرستس لم يفهم الحياة بعد، ولم يفهم التنازلات،، ولم يفهم بعد أن الحياة لم تخلق من أجله، وأن الاختلاف نعمة وليس نقمة.. لم يفهم بعد أن الأشياء لاتأتي كاملة ولا تأتي مفصلة حسب مقاييسنا – البئيسة الغير واقعية بطبيعة الحال-. لم يفهم أن الحياة هنا (دُنيا) وناقصة والكمال وحده لله، والحياة الكاملة الوحيدة التي سننعم بها هي هناك، في العالم الأخير. ( في الجنة بإذن الله). لم يفهم أن الدنيا لم تأت ولن تأت على مقاسات قلبه ، وعقله الصغير، لم يفهم أن النقص والابتلاء والكبد هو فحوى الحياة. لم يفهم بعد أن هناك أمور ستأتي ناقصة – متأخرة لا محالة.

تأتي الحياة كما نريد، نشكر الله قليلا ونغفل كثيرا. ثم يحصل شيء بسيط غير مانريد،فنجزع ونقول ان الحياة كلها سيئة وحظنا فيها قليل. إنه ليؤوس كفور. مُقدر لنا أن نعيش حياة ناقصة فيها ماينغص والكثير مما لن نحققه. لأن الكمال في الجنة فقط. حين يُقال: ادخلوها بسلام آمنين. مُقدر لنا أن نذوق صعوبة ما في موقف ما، في وضع ما.. مقدر لنا أن نُبتلى، مقدر لنا أن لانحصل على كل مانريده، مقدر لنا أن نقدم تنازلات بسيطة وأخرى كبيرة.

لست أفهم الكثير من الناس والذين يعبدون الله على حرف، ولست أفهم كيف يمكن أن يتصور الانسان حياة مثالية، في زوجة بدون عيوب، في زوج أيضا بدون عيوب، في عائلة وأصدقاء بلاعيوب. في أعمال بدون عيوب. لست أفهم أن نقص الأمور ونمطّها حسب مقاييسنا المعتلة فنفسد الأمور أكثر مما كانت عليه.. لست أفهم (سرير بروكرستس المجتمعي ) حين يرسم لك خطة متجاهلا بذلك كل آمالك وخططك الذاتية، ماعداها أنت فاشل،، يجب أن تنهي دراستك فتحصل على وظيفة -أي وظيفة المهم راتب ولا يهم الاخلاص مثلا- يجب أن تتزوج في السن الفلاني حتى لو لم تكن مستعدا، يجب ويجب ويجب، إلى أن يخنقنا غيرنا بسريره، فيقص من أحلامنا وطموحاتنا ويمد من ضجرنا وغضبنا.. يجب ويجب حتى نفسد فرص كثيرة بحجة أنها ليست مناسبة لعلة بسيطة واحدة.. لست أفهم السرير الوهمي المتوارث هذا. لست أفهم كيف نسقط مقاييسنا على الاخرين ونطالبهم أن يكونوا كما نريد تماما.

نعم الحياة ليست سرير بروكرستس، الحياة ناقصة والأمور أحيانا كثيرة غير مانريد لكننا نتقبلها ونتعبد الله بتقبلنا لها، ونسعى لطموح أفضل ورضا أكبر،، الحياة ليست سرير بروكرستس فيها الكثير من الأمور الناقصة والتي أقصر من مقاسات أحلامنا، لكننا نتقبلها ونسعى للتعامل معها بما يناسب، الحياة ليست سرير بروكرستس في نفسك، ولا في زوجتك ولا في زوجك، ولا في عائلتك،، ولا في عملك،، ولا في الفرص ، ولا ولا ولا.. الحياة كبيرة وهي بالنهاية دُنيا – سفلى، فيها الكثير من المنغصات، والكثير من ما يحزبنا، والكثير من ماينغص مهما بدت لك حياة أحدهم مثالية. الحياة هنا سفلى و بعدها حياة عليا بإذن الله سنعرف منها طعم الكمال وطعم المقاسات المناسبة تماما لأحلامنا وأمنياتنا،،

في كل صعوبة تجدها أمامك، في كل عقبة، في كل أمر أردته فجاء مشوها قليلا عما تخيلته. تذكر: الحياة ليست سرير بروكرستس.