لا زلت أذكر مرة خلال مشاهدتي لفلم وثائقي عن التخفف جملة لازالت عالقة في ذهني.. كانت تقول المتحدثة بما معناه: يجب أن نكون ماديين أكثر ولكن بطريقة مختلفة عن مفهوم المادية المتعارف عليه.. يجب أن نتمسك بممتلكاتنا المادية أكثر ولا نتخلى عنها بسهولة.
ماذا لو كانت مشترياتنا الاستهلاكية مدروسة بعناية فائقة بحيث لا نضطر إلى استبدالها بشكل دوري مبالغ فيه لعدة اعتبارات يتصدرها الملل وسوء الجودة.. ماذا لو ركزنا على جودتها وملائمتها لذوقنا الخاص وأسلوب حياتنا؟ ماذا لو كانت القطع التي نملكها تملك قيمة ومعنى لن نجدها في جديد الكثير من المواقع التي توفر قطع استهلاكية رخيصة و رديئة؟
أصبحنا محاصرون بمفاهيم الموضة السريعة والتغيير المستمر وكأننا في ممر عروض أزياء. نتعرض لمحتوى شره في عرض المشتريات الدورية ونتقمص من غير شعور حاجتتنا لهذه المشتريات.. نحن الذين كنا نعير الجار “خلاط الكيك” و نمرر ملابس كبر عليها أطفالنا؛ أصبح الكثير منا يخجل من تمرير القطع بين الأهل والأصدقاء واستعارة بعض الحاجيات ويرى فيها منقصة له! ولا أعرف حقًا ما العيب والنقص في إعادة تدوير ممتلكاتنا والتمسك بها بشكل يلائم قيمة وجودة هذه الممتلكات..
تكديس الحاجيات الاستهلاكية يقودنا بنهاية المطاف إلى التخلص منها متعذرين بالتبرع ولا نعلم تمامًا ما الضرر الذي يمكن أن نفعله بكثرة الشراء غير المدروس وإغراق جمعيات التبرع بملابس وخردوات من المستحيل لبعضها أن يكون مفيدًا..
بدأت منذ زمن بتغيير كبير في طريقتي في الاستهلاك، وأصبحت أفكر كثيرًا بالقطعة قبل شراؤها. وقمت بإعارة وتمرير لوازم لم أعد بحاجة لها، لكنها مازالت بحالة ممتازة وجيدة. مررت لأخواتي وصديقاتي المقربات بدون خجل، وقُبلت بكل حب وبدون استحياء غير ضروري. حاكمت سهولة التخلي لدي ووجدت أنها مرتبطة بانعدام جودة المشتريات بالمقام الأول والشراء اللحظي والانفعالي بدون تفكير.
كنت أقرأ عن هذا التقليد الرائع لعائلة كتبت عنها صحيفة هافينقتون بوست عن عائلة توارثت فستان لطفلة صغيرة عبر أجيال عديدة منذ سنة ١٩٥٠، ارتباطهم بالذكرى والقيمة ساحر وظاهر وأتمنى أن أصاب بهذه العدوى. تذكرت أني احتفظت بقليل من الفساتين الزاهية لصغيرات أختي جود – لينا وريما وأتمنى يومًا ما أن ترتديها ابنتي المستقبلية.
هيفاء القحطاني والتمرير:
هيفاء وأنا نتحدث بشكل مستمر عن التخفف من الحاجيات التي لم تعد مناسبة وتعود هيفاء دائمًا إلى عادات الطفولة الأولى حين كانت ملابسها الأنيقة وفساتينها المميزة تمرر بكل حب إلى أطفال الأقارب أو أخواتها مستمرين في الحفاظ على القيمة المعنوية والذكريات المنسوجة في خيوط هذه الفساتين.. سألت هيفاء أن تشاركني وإياكم عن عادتهم الرائعة تشجيعًا منا على ثقافة التمرير والاحتفاظ بالقطع الأصيلة بدل التخلي عنها بكل سهولة:
اقتني وأسرتي الأثاث المستعمل في حالته الجيدة منذ أكثر من ثلاثين عامًا. لدينا قطع أثاث من الخشب العتيق تحمل اسماءنا وقصصنا وتاريخ تنقلنا بين البيت والمدن. وفي سياق إعادة التدوير المستمر تتنقل قطع الأثاث بين غرف المنزل وتبدأ حياة جديدة كلّ مرة قبل أن يتم الاستغناء عنها تمامًا.
وجدت طريقة دائمة لتفادي الشراء المتكرر لاحتياجات الحياة، ابحث في غرفنا نحنُ الاخوة ثم استعير من الأصدقاء والأهل ما استطعت (ملابس، أدوات زينة، أواني مختلفة للضيافة في المناسبات).
الملابس يعاد تدويرها أكثر من الأثاث، إذا تغيرت علينا نمررها بيننا والمحظوظ من تضبط المقاسات عليه. فستان مورد عاش في خزانتي لعدة سنوات قبل أن تحوله والدتي لتنورة أنيقة لبستها حتى تهالكت. والملابس القطنية تتحول لقطع تنظيف أو كفوف عازلة للحرارة. شيء من ملابسك يبقى أمامك مع مرور الوقت حتى يغادر البيت في النهاية. والأمر ذاته ينطبق على الإكسسوار والمجوهرات التي تعيش طويلا.
إعادة تدوير الأجهزة طريقة أخرى لتفادي الشراء خصوصا مع ارتفاع قيمة الالكترونيات بشكل مرعب! إذا كان هاتفك جيد اعد تهيئته ومرره لي. لا أذكر أنني استخدمت أجهزة جديدة كليا الا في السنوات الأخيرة. قبل ذلك لم يكن لدي أي مشكلة في استخدام هاتف أخي أو اختي بعد مسح بياناته وتحديثه.
حاجتي الكبيرة للكتب تعني إنفاق الكثير عليها كل شهر. لكني وجدت الحل عندما تصالحت مع فكرة الاستعارة. وفي السنوات الأخيرة أصبحت اقتسم قائمة كتبي مع صديقتي المقربة لتشابه أذواقنا. اشتري جزء وهي جزء ونمرر الكتب لبعضنا عند الانتهاء منها.
هيفاء القحطاني | مدونة قصاصات
أروى العمراني والقديم:
دائما أتأمل صديقتي أروى العمراني وتعاملها مع قطع المنزل وحاجياته. دائمًا تبدو لي مختلفة وأصيلة، تصنعها من الصفر ومرات كثيرة تعيد بناءها من قطع قديمة أو تقوم بتجديد مقتنيات قديمة من سوق مستعملة وتحيلها بأرخص الطرق وأبسطها إلى قطعة بديعة للغاية. في خضم حديثي الشائق معها ذات مرة لفتني أنها أحضرت جميع أثاث منزلها في أمريكا وأعادت استخدامها في منزلها الجديد. غرفة نوم ، مكتب وكراسي وصنعت حكايات جديدة لهذه الممتلكات في منطقة جغرافية مختلفة وحكايات ممتدة.. طلبت من أروى أن تكتب لنا منظورها في التمسك بالأشياء وصنع ذكريات جديدة ممتدة واستغلال القديم في حكاية جديدة:
لديّ أسباب عديدة للتمسك بأشيائي وصنعها بطريقتي. أحدها تقليل التكلفة المادية حتى لو كانت الميزانية تسمح. والثاني المتعة التي يجلبها لي صنع الأشياء وإعادة تدويرها والشعور اللاحق بالسعادة بعد الإنجاز بترك بصمتي في غرض جديد. في كل مرة أشاهد أو استخدم ما صنعته أشعر بشعور دافئ جدًا لا يمكنه أن يحدث مع المقتنيات الجديدة الجاهزة والباهضة الثمن. السبب الثالث هو صنع شيء ملائم تمامًا لاحتياجاتي الخاصة والتي غالبًا لا توفرها لي المنتجات المتوفرة في الأسواق ولا تكون تمامًا بالتفاصيل التي أرغبها فاصنع ما أريده وبتفاصيلي الخاصة.
إن حبي لمستلزماتي وأشيائي هو من صميم طبيعتي الشخصية، أحب الاحتفاظ بها ولا ترخص قيمتها عندي بمجرد حصولي عليها إنما العكس تمامًا تزداد قيمتها. بالمجمل إن شعوري بالسعادة هو أكثر ما يدفعني للاحتفاظ بالأشياء وإعادة تدويرها.
أروى العمراني | مدونة أروى
البداية من عندك
أعي أن الموضوع غير سهل تمامًا، فلا زلت أذكر سعادتي الغامرة حين أوضحت صديقتي لي أنها ستحب كثيرًا لو مررت لها بعض الحاجيات التي لم تعد مناسبة لي. لذلك كتبت هذه التدوينة لنتساعد جميعًا في نشر ثقافة تمرير الحاجيات. وهذه بعض النصائح والتلميحات للبدء في إعطاء أشيائنا حياة أخرى وذكريات ممتدة:
- في البدء حاولوا أن تختاروا الأصدقاء والأهل المعنيين بالتدوير بعناية حتى لا تقعوا في حرج أو سوء فهم.
- لا تمرروا حاجات تالفة أو يظهر عليها سوء استخدام فالآخرين ليسوا مكب نفاياتكم. أيضًا الحاجيات الخاصة جدًا غير قابلة للتمرير.
- فكروا بالقطع قبل شراؤها بالمقام الأول، هل القطعة مستدامة؟ هل يمكن إعادة تدويرها؟( مثلًا في أثاث المنزل الخشب دائمآ فكرة ممتازة ).
- تحدثوا بفخر عن حاجياتكم الموروثة وقطعكم التي مررتموها بأريحية مع من حولكم فالحديث يبدأ بتغيير المعتقدات والمفاهيم.
- فكروا فيها كوسيلة إبداعية واكتساب مهارات عظيمة، مثل تحويل فستان هيفاء إلى تنورة وأخشاب أروى إلى سرير مميز.
- من الرائع معاملتها كنشاط بين الأهل والأصدقاء باستضافة المجموعة المعنية وتبادل الحاجيات وكأنه تسوق مجاني.
- بإمكانكم إضافة لمستكم الخاصة لكل ما ترثونه، تغيير أزرة قميص، إعادة صبغ طاولة الخ.
aniss
أشكرك نوال على هذه التدوينة الرائعة، في الحقيقة هذه المرة الأولي التي أتعرف فيها على مدونتك. وجدت فيها شي لم استطيع وصفه، فعلا تستحق المتابعة.
مها البشر
تدوينة رائعة نوال♥️
تطولين علينا بالتدوينات، بس اذا قرينا لك عذرناك 🌻
فعلًا موضوع مهم، عندما نشرت منشور في انستقرام عن مثلث الشراء وكان فيه استعارة.
جاءت تعليقات كثيرة جدًا من منطلق “من جدك نستعير!! ما يسوى الموضوع! نشتريه وبس”
كبرت وامي تعطي خالاتي ملابسي التي صغرت علي لبنات خالتي، وكان هذا الطقس طبيعي ومتوقع.
وأنا وبنات خالتي نعيد تدوير ملابس أطفالنا، لدرجة أنني لم اشترِ ولا قطعة شتوية لابني الثاني لأن بنت خالتي زودتني بكل القطع.
الكتب هي الشيء الوحيد الذي أعاني فيه، استعير العناوين اللامعة والرويات، لكن أمهات الكتب أبذل بها المال لسبب واحد وهو أن ينشأ أطفالي بين الكتب كما نشأت أنا.
دمتي ودام لنا قلمك يا نوال ♥️
تغريد
شكرا نوال على هذة التدوينة
قديما كان الأغلب يحمل هذا المبدأ
أذكر محمصة القهوة تعيرها أمي لجميع الجارات .
لبست في صغير قطع انيقة جدا كانت لأمي .
لذا احتفظ بفستان لي أحبه لابنتي .
الآن الناس تغيروا كثيرا ً لا استطيع الاعارة الا لخواتي غيرهم يفهم الموضوع بشكل مغاير .
رزان
تدوينة رائعة محفوفه بالحميمة والأصالة في وقت بدا فيه كل شي ينقصه الروح الاثاث والملابس المقتنيات تشبه بعضها تفتقد للروح والمعنى لها
امتلكها لمجرد الامتلاك ….
FM blogger
رائعه يانوال 💛
ممتنه للحظه اللي صادفت فيها مدونتك، افتقد جدا التدوينات ويبدو لي سهرة اليوم بتكون ع مدونتك وكأني حصلت كنز 💕
فكرة تمرير الأشياء لازالت قائمه بين اقاربي وخصوصا قطع الملابس دائما اشوفهم يعيرونها بعض ويفرحون فيها خصوصا الاطفال
اعادة التدوير، تشارك الاغراض وتبادلها
فعلا امور بسيطه لكن لها فرق كبير بحياتنا