التدوين، الحركة التي بدأت تقريبًا في عام 1997 بعد ظهور المنتديات، والذي شكّل مفهمومها واسمها جون بارقر بإطلاقه اسم Weblog بعد تطور مفهوم الـ online diary. اتخذ هذا الاتجاه الكتابة منفردًا في مكان يخصك، على عكس المنتديات من ماجعله النسخة الالكترونية لدفاتر المذكرات اليوميّة ولكنها قابلة للمشاركة. قرأت أن الصحفي جستن هال كان أول من بدأ التدوين الشخصي. وصلتنا فكرة المدونات في بداية الألفية ثم ازدهرت في الأعوام من 2006 و 2007 حسب ذاكرتي. في عام 1999 كان هناك 23 مدونة فقط، أما الآن فهناك مايفوق المليار مدونة. كان مجتمع تدويني جميل، مليء بالإلهام والتواصل والمشاركة. ثم بدأ مفهوم الـ Micro blogging ويتمثل في تويتر حيث لا يمكنك كتابة أكثر من 140 حرف مما جعل الانجراف له أسهل. على الرغم من نجاح تويتر بشكل ساحق وجمال الفكرة و وصولها للجميع بلا استثناء، إلا أن فكرة المايكرو بلوقنق (التدوين المصغر) قد سرقت منا القدرة والصبر على القراءة المركزة، القراءة المثمرة والطويلة. وأهدتنا التشتت و الوهم بأننا نقرأ والتورط في متاهة من المحتوى المقتضب صعب الوصول. وبالتالي سرقت القدرة المرنة على الكتابة المطوّلة، فلماذا أكتب مدوّنة بينما بإمكاني كتابة 140 حرف على الماشي وسأحصل على الكثير من الإعجاب و إعادة النشر؟ الأمر الذي أدّى إلى تقليل جودة ما نقرأ وما يُكتب بدون وعي. لذلك كانت وستظل المدونات أفضل مكان لتمارس الكتابة وتطويرها كمهارة.
منذ ما يقارب العام قررت بجديّة العودة للتدوين وإعادة نشر هذه الثقافة، والالتزام بالتدوين وصناعة محتوى بسيط ممتع وثريّ، ويعبّر عني في كل مراحل حياتي وتطوراتي. ولطالما شجعت وجود مدوّنات مختلفة لمشاركة أبسط الأمور التي تنفعنا في حياتنا اليومية، فالإلهام لا يُحدّ. بعد 10 سنوات تدوين و 9 منها في مدوّنتي هذه، سألخص لكم الأسباب التي تجعل التدوين كمحتوى ثريّ على الصعيد الشخصي والعام أفضل، ولماذا يجب أن ندوّن لهؤلاء الذين يرغبون بالتدوين لمختلف الأسباب:
صناعة محتوى ثريّ، حقيقي :
لا نستطيع المزايدة على شح المحتوى العربي، على عكس المحتوى الانجليزي! نفتقد وجود أبسط التجارب ونفتقد المحتوى المصنوع وليس المنقول. نفتقد المحتوى المستقل وليس الموجّه والمعلن. على الرغم من أنه في تحسن عن ما سبق ولكن لازال أمامنا طريقًا طويلًا. بالتدوين تستطيع بسهولة وبشكل مجاني تقريبًا المشاركة بمحتوى مختلف، ومفيد. محتوى مفصل وغير مقتضب في 140 حرف أو في صورة في انستقرام حيث يجبرك التطبيق على اختصار الكلمات. إنها طريقتك للتعليم والتعلّم معًا، للكتابة عن كل ما كان يدور في رأسك يومًا ولم يجد مخرجًا له، لتعريفنا بقضية ما تحتاج انتباهنا وأكثر، لمشاركة أفكارك كما ترغب. أريحية التدوين تمكّنك من التعبير عن أفكارك الشخصية والعميقة بشكل أجمل وأكثر تفصيلًا. فكل شيء قابل للتدوين. في التدوين طريقتك لتحسين هذا العالم بشكل أو بآخر.
سهولة الوصول والبحث:
تزوّدنا تطبيقات المدونات بتصفح سهل وسريع واستخدام ميسر وسهل، أدوات بحث مخصصة وسريعة للوصول إلى ما تريده. سهولة الوصول إلى مدونات سابقة. إن إمكانية الرجوع إلى المحتوى ميزة عظيمة نفتقدها في الشبكات الاجتماعية. فسهولة مشاركة التدوينة الملهمة برابط صغير يجعل استخدام المدونات أسهل وأكفأ. على العكس من البحث في صورة قبل سنة في حساب في انستقرام، أو تغريدة نسيت مصدرها أو تاريخ نشرها. أو سناب طار بعد 24 ساعة من نشره. كل ذلك وأكثر من مزايا التدوين التقنية والأرشفة يجعل التدوين أفضل مكان لنشر الإلهام والتجارب والآراء بدون شك، كل ذلك وأكثر يجعله مصدر يعتد به ويسهل الرجوع له كمكان واحد يضم كل إنتاجك.
تحسين القراءة والكتابة:
سرقتنا الـ 140 حرف التي نقرأها ونكتبها على عجالة غير مدركين أنها مستقبلًا ستؤثر على طاقتنا الاستيعابية في القراءة فلم نعد نطيق صبرًا لقراءة كتاب أو تدوينة تحمل الكثير من المتعة والجمال.. أحد التأثيرات السلبية للشبكات الاجتماعية الجديدة هو انخفاض معدّل التركيز والصبر على مقالة ثريّة أو كتاب استثنائي. نضيف الكثير من المصادر الغنيّة في مفضلاتنا ثم يعلوها الغبار، ونظل ندور حول هذا الوهم أننا نقرأ، وسنقرأ ولكننا لا نقرأ. أصبح النظر إلى تدوينة طويلة مرهق وثقيل للقراءة على الرغم من أنه لم يكن كذلك سابقًا. أما مع التدوين فهو تدريب حقيقي للقراءة، عبر قراءة مدوّنات الآخرين وخصوصًا المكتوبة باللغة الفصحى يدربّك عمليًا على الانخراط في صفحات قليلة من القراءة ثم يفتح شهيّتك لالتقاط كتاب جميل. سترتفع مدة تركيزك وتزيد حصيلتك اللغوية بشكل واضح، وسيضيف لك أكثر من محتوى مقتضب ومختصر. ولأن الكتابة مرادفة للقراءة فتتطور القدرة على الكتابة حين تقرأ بكثافة، هذا الشيء الذي لا يمكن للشبكات الاجتماعية احتوائه بشكل لائق، فالمطلوب محتوى قصير جدًّا. أما مع التدوين فبإمكانك تطوير كتابتك بدون حدود فتنضج كلماتك وتتشكل جملك بشكل أفضل في كل مرة. مع التدوين التعبير أفضل بكثير.
توثيق وأرشفة أفضل:
بفضل الأدوات التقنية المتطورة المستخدمة في المدوّنات فإنها تقدم لنا توثيق أفضل للمنشورات، و أرشفة احترافية سهلة التصفح والانتقال. الترتيب الزمني، الكلمات المفتاحية والتصنيفات كلها تجعل من تصفح المدونة أمر ممتع وسهل وسريع. هذه الخصائص تمكنك من العودة إلى تدويناتك القديمة، وتدوينات أصدقاء التدوين والإحالة لها. تصفحها بخط زمني، أو حسب اهتمامك في المجال. هذه الميزة التي لايمكن الحصول عليها في التدوين المصغر في تويتر وانستقرام ، فكلنا نعلم صعوبة التصفح حتى مع وجود الوسم أو “الهاشتاق” فأنت مضطر إلى احتمال كمية مهولة من المدخلات التي لاتمت للموضوع بصلة مما سيعيق بحثك ويعكّر صفوه، ولن تقدم هذه الميزة ما يمكن للمدونات تقديمه. لدى المدونات فرصة أكبر لبقاء المحتوى لسنوات طويلة، مما يجعل الكثير من التدوينات مادة تاريخية لا يُستهان بها.
وسائط أكثر ، تحكّم أكثر:
في التدوين لست محصور بصورة واحدة، ولا مقطع بدقائق معينة. أو مقاطع متقطعة. لك ماشئت من الصور والوسائط من جهازك أو عبر الشبكة. مما يفسح لك المجال في التعبير أكثر، تحكمك في مدونتك يشبه بنائك لبيت من تصميمك، إضافة ماترغب من التسهيلات، وطرق العرض والبحث. فأنت تبني مدونتك لبنة لبنة بكل سهولة. تستطيع التحكم بالمنشور وبما يصلك من تعليقات. عمل نسخ احتياطية تمكنك من الاحتفاظ بمحتوى مدونتك، نقل المحتوى بسهولة عبر ملفات صغيرة، على عكس مواقع التواصل، فأنت لاتملك الموقع وليس لديك كامل الوصول إلى المعلومات والتخزين ونقلها لحساب آخر. باختصار: حرية التدوين أكبر.
النشاط و الفخر:
قد يعود هذا لتفضيلات شخصية، لكن حتمًا سنتفق على شعور الإنجاز بعد وقت طويل في كتابة تدوينة وصياغتها، تجهيزها لتظهر كما يليق بالقارئ. سيرتفع منسوب الرضا عن الذات بعد كل تدوينة تنشرها، فالإنجاز عدوّ للإحباط ودائمًا مايهزمه. بيئة التدوين مشجعة لصياغة التحديّات ومشاركتها، لبدء مشاريع ملهمة و نشرها. وهذه المشاريع يكون نفعها متعدٍّ وجميل للمدوّن والقارئ المهتم. في التدوين تجد مكان لممارسة هوايتك والحديث عنها أيًا كانت، في تعريف الناس بنشاطك أو عملك وخططك. يشجّعني التدوين كثيرًا في طرح مشاريعي الوَجِلة، فتستحيل إلى تجارب جميلة أعود لها في كل أوقاتي.
في شهر أبريل الماضي من هذه السنة قدمت مباردة لإعادة روح التدوين، و التشجيع والترويج له عبر تحدّي التدوين. بإمكانك تصفح المدونات التي كتبتها في تصنيف تحدّي التدوين ، وفي التعليقات روابط للمدونات التي شاركتني هذا التحدّي الجميل. والحقيقة أن شهر من التدوين المستمر قد أضاف لي الكثير من التطوّر، وتدفق الأفكار والتعوّد على الكتابة والانتباه للأخطاء اللغوية وأخيرًا إثراء المحتوى بتجارب شخصية و إلهامات بسيطة. في النهاية أرجو أن تكون الأسباب كافية لك للتدوين وإثراء هذا الوسط، إن كنت ترغب التدوين وكنت مترددًا لأي سبب فأرجوك، تنصّل من هذا التردد وأبدأ. أرجو أن لايخدعك قولك لنفسك: ماعندي شيء أدون عنه, فلكل منا الكثير ليكتب عنه، ولم ندوّن لكوننا عباقرة أو أفضل من أي أحد. المحتوى يحتاج لصنّاع ونحن من يصنعه.
التدوينة القادمة: كيف أنشئ مدونة واستخدمها؟ وكيف أدوّن. و بعض التلميحات لمحتوى أنيق ومميز.
Hanane
good morning Nawal
I have been so happy to read what you have written
I was planning to make a diary of my own but i didn’t kow how or from where to start I am waiting for your next aricle to show me how I can do that.
I prefer writing in arabic but there is something wrong in my arabic WORD
علي
بدأت التدوين على مهل، في ٢٠٠٧م، اليوم أسمي مدونتي الورشة، أكتب فيها وأكتب، وتطورت من خلالها حتى صرت أنشر في مجلات سيّارة أحب أن أقرأها، ومستمر في هذه الرحلة اللذيذة، “يت تو كم” كما يقولون.
maha
تقرئين أفكاري ..عدت للتدوين بعد عشر سنوات بداية هذا الاسبوع!
تدوينة محفزه
شكرا لك
تونا
افتقد التدوين دائماً 💔 شكراً للتحفيز أستاذة نوال 💜
نوار طه
شكراً جزيلاً على هذه التدوينة الجميلة التي كنت بانتظارها حقاً
وأتمنى أن تكتبي دوماً عن تجربتك مع التدوين نظراً لخبرتك معه
يقلقني دوماً كيف بالإمكان المحافظة على التدوين مع تغير الظروف المختلفة
أتمنى لك المزيد من الإبداع 🙂
Nawal
@Hanane:
أهلا صباح الخير ياجميلة.
متشوقة لقراءة يومياتك جدا جدا.
كلي أمل أن التدوينة الأحدث ساعدتك في ذلك، وإن لم تكن لا تترددي بالتاوصل معي لإنشاء مدونتك.
هل لديك مشكلة في اللغة أو الجهاز؟ إذا كانت مشكلة في اللغة فحاولي الكاتبة بالعربية ومع الوقت ستزول وتتعلمين حصيلة كلمات أكثر.
Nawal
@علي:
ماشاء الله علي، مسيرة تدوينية رائعة بارك الله لك.
@maha:
عودًا حميدًا 💚
@تونا:
وأنا افتقد تدويناتك اللطيفة جدا والمثرية خصوصًا عن أولادك.
Nawal
@نوار طه:
أهلا نوار.. اسعدني وجودك جدًا.
ميزة التدوين أنه يمكنه إحتواء كل تغيراتك وظروفك، فأنتي تكتبين بدون قيود.
فلا داعي للقلق ياجميلة
شكرا 💚
فرح
فعلاً مقال ملهم وجميل ماشاءالله.
أروى
مرحباً نوال
هل بإمكانك مشاركتنا مدونات تستفيدين منها عربيه أو إنجليزية
شاكرة لك
علي العمري
مقالة رائعة، عبرت عن الكثير مما يختلج بداخلي، شخصيا أفكر في العودة إلى التدوين بقوة، فتركي للتدوين لم يضف إلي شيئا، والوقت الذي كنت أقضيه في التدوين، لم أقضه في عمل يكافؤه نفعا وإمتاعا.
شكرا لقلمك.
عصمت علي حميدة
«لدى المدونات فرصة أكبر لبقاء المحتوى لسنوات طويلة، مما يجعل الكثير من التدوينات مادة تاريخية لا يُستهان بها.»
أنا من جيل المدوّنين الجدد، مرّت الأيام ووجدت طريقًا لأكمله، نيابة عن أبناء جيلي فنحن نحمل لكِ الامتنان.