أتذكر أني قبل ما يقارب التسع سنوات وحينما علقت بكثرة الكتب وتشتت القراءات – بالنسبة لي- رغبت في تحديد قراءاتي لمدة معينة وتخصيصها في أحد المجالات التي أحب القراءة فيها وتضيف لي الكثير من الحكمة وهي كتب السير و التراجم.. وأذكر أنه من المشاريع التي شكلت فارقًا كبيرًا في جودة قراءاتي واطلاعي وتعرفي على عوالم أخرى وكتّاب أضافوا لي الكثير عندما تعرفت على الجانب الشخصي منهم والذي لا يمكن فصله عن المهني برأيي المتواضع.
والآن بعد ما عادت شهيتي للقراءة وأحرزت التقدم الذي أرغبه من ناحية الجودة والكم رغبت بإعادة إحياء هذا المشروع اليتيم. اخترت أن يكون شهر ديسمبر بداية ماراثون متقطع لتخصيص قراءاتي و جرد رفوف مكتبتي والبدء في قراءة كل ما تحتويه أرفف مكتبتي الفاتنة عوضًا عن شراء الكتب بشكل مستمر.. قررت أن أبدأ الماراثون في موضوع القراءة وأن أقرأ خلال شهر ديسمبر من مكتبتي بدون شراء كتب جديدة أي كتاب يتحدث عن القراءة والكتب كمفهموم وممارسة.. كانت الكتب المتوفرة في مكتبي عن ذات الموضوع هي التالي:
بدأت الماراثون بكتاب : أيها القارئ عد إلى وطنك. ماريان وولف – ترجمة شوق العنزي
كان الكتاب مدهش ومذهل بالنسبة إلي. لطالما شعرت أنني لا أتجاوب ذهنيًا مع الكتب المسموعة ولا الكتب الرقمية ولا حتى المقالات كما أتجاوب مع الكتاب بكينونته الورقية. ولطالما شعرت أن القراءات المجتزة و السطحية لن تكون بديلًا للقراءة العميقة. ولكن لجهلي لا أعرف ما سبب ماهية شعوري ودائمًا ما أعزو هذا الشعور بتغيري الشخصي وما تضيفه لي القراءة في الكتب. ولكن هذا الكتب جعل الكثير من المفاهيم واضحة بالنسبة لي، فقراءة باحثة في علم الأعصاب تستند إلى دراسات في حديثها عن أثر القراءة العميقة والوسائط الرقمية كان مدهش وأكثر إقناعًا. هذا الكتاب جعلني أعيش كثير من لحظات الـ: اهاااا – واواو – يا الله.
نبذة:
إن جودة قراءتنا ليست مؤشرًا على جودة تفكيرنا فحسب، بل المسلك الأشهر نحو تطوير دروب جديدة تمامًا، تتعلق بالتطور العقلي لجنسنا البشري. ثمة الكثير على المحك فيما يخص تطوير عقلنة القراءة، وفي التغييرات المتسارعة التي تميّز الآن إصداراته الحالية والمتقدمة. ليس عليك سوى تفحص ذاتك، ولعلّك لاحظت سلفًا كيف تتغير جودة انتباهك كلّما قرأت شيئًا ما على الشاشات والأجهزة الرقمية، أو لعلك شعرت بوخزة تأنيب ضمير مفاجئة، وذلك لإحساسك أن هناك شيئًا خفيًا ينقصك، كلما حاولت الانغماس في كتابك المفضل، مثل طرف شبحي، تتذكر القارئ الذي كُنْتَهُ، لكن لا يمكنك استدعاء (الشبح المتيقظ) ذاك مع شعور البهجة ذاته الذي شعرت به عندما سافرت ذات مرة من مكان ما خارج الذات إلى فضائك الداخلي.
إنّ الأمر يزداد صعوبة مع الأطفال، إذ يسهل تشتيت انتباههم على نحوٍ مستمر، وتغمرهم المحفزات التي لن تتبلور في مخزونهم المعرفي على الإطلاق. ممّا يعني أن مقدرتهم الجوهرية على استخلاص المقارنات والاستدلالات عند القراءة ستكون أقل تطورًا. تأخذ أدمغة الشباب في التطور دون وجود أي داعٍ للقلق المحيط بهم على خلاف معظمنا، وعلى الرغم من ذلك فإنَّ كثيراً من شبابنا لا يقرأ سوى المطلوب منه، وفي كثير من الأوقات لا يقرؤون البتة.
لقد جعلني هذا الكتاب أتمسك بالقراءة كفعل ذاتي ومهم في حياتي وبناء شخصيتي وأفكاري. وأرجو أن لا أتخلى كليًا عن القراءة ماحييت. الكتاب في بدايته ثقيل ودسم ولكن ما إن تعتاد عليه ستكون قادرًا على فهمه وإكماله. إن كنت في مرحلة عزوف قرائي فلا أرشح لك البدء في هذا الكتاب بل اختر كتابًا أكثر خفة.
الكتاب الثاني:
متعة القراءة – دانيال بناك.
رغم أن الكتاب نشر عام ١٩٩٢ أي قبل أيها القارئ عد إلى وطنك إلّا أنه بطريقة عابرة تحدث عن بعض النقاط التي فصلتها باحثة الأعصاب عن القراءة وأثرها .
إن كنت تعتقد مثل الكثير أن الكتاب يصف متعة القراءة فأنت مخطئ. الكتاب يتحدث عن كيف تكون القراءة متعة بدلًا من أن تكون واجبًا مكروهًا تتدخل فيها السلطة أيًا كان نوعها. متعة القراءة يقترح حلولًا لغرس متعة القراءة في الأطفال عبر مشاهدات وملاحظات متصلة في الهدف. ترجمة الكتاب سيئة للأسف وافقدتني الكثير من المتعة.
أعجبني جدًا حقوق القارئ في نهاية الكتاب ولربما ينتعش إلهامي وأفرد تدوينة لهذه الحقوق من وجهة نظري. أجده من أمتع الكتب وأخفها للقراءة وبطريقة ما جدًا مفيد..
الكتاب الثالث:
تاريخ القراءة – البرتو مانغويل .
وهنا يصح تمامًا أن نقول: المعروف لا يعرف. كتاب بديع جدًا ولم أتوقع أن أنسجم معه بهذا القدر. لقد كانت اللحظات التي أمضيتها في قراءة الكتاب مختلسة من المتعة والبهجة والبهاء. على أن الكتاب يعتبر نوعًا ما طويل وحجم الورقة أيضًا ليس من القطع الصغير ولكني تفاجئت بتقدمي السريع حتى تنبهت إلى حقيقة أني انتصفت في الكتاب وعلي أن أتراخى كثيرًا في التقدم حتى يكون الكتاب جزءًا من يومي لأيام قادمة أكثر.
الكتاب يتناول تاريخ القراءة بشكل غير خطي وممل، إنما يتناولها بطريقة موضوعات وتطورات، وتجد بين المقطع والآخر معلومات مدهشة وممتعة وأحيانًا مضحكة. لقد أكسبني هذا الكتاب الكثير من التقدير والامتنان للزمن الحالي للقراءة والكتب – على علاته- لأننا ( وليس جميعنا) نقرأ نسخ مذهبية وفي ظروف ملكية مقارنة بالازمنة السابقة. لقد منحني الكتاب فهم أوسع وإدراك أفضل للقراءة كفعل ذاتي ، كما شجعني على الاستمرار في القراءة وتذكر الكثير من المدهشات في الكتاب الرائع والذي قال عنه مانغويل بأنه كتاب لم ينته. هذا كتاب رئيسي في مكتبتي وسأعود له حتمًا بين الحين والآخر.
الكتاب الرابع:
رائحة الكتب : تفاصيل حميمية في الثقافة الإيطالية – جيامبييريو موغيني
إذا كنت مهتمًا بالأدب الايطالي فأنت حتمًا في جنتك. ربما لأني لا أعرف ٩٩٪ من الكتب والكتاب الذين تحدث عنهم ( سوى امبيرتو ايكو ) فلم أشعر بارتباط مع الكتاب أو حتى انجذاب. كنت أمرر الصفحات بطريقة عابرة وبعد منتصف الكتاب أخذت التقط الكلمات حسب ما يشد انتباهي. أستطيع أن أقول أن هذا الكتاب ليس لي، على الأقل حتى أتعرف جيدًا على الأدب الإيطالي. وبناء على ازدحام كتبي فإن هذا الأمر لن يكون قريبًا.
الكتاب الخامس:
كيف غيرت القراءة حياتي – انا كويند لين
كتاب خفيف جدًا أنهيته في جلسة واحدة وبكثير من المتعة. لا أرى أن عنوان الكتاب مناسب لمحتواه إذ أني أراه وكأنه سرد لسيرة الكاتبة مع القراءة ولكني لا ألمس فيه بشكل واضح كيف غيرت القراءة حياتها أو أن المعنى هرب مني ولم أستطع التقاطه.. على كل حال وجدت الكثير من المتعة الخفيفة في الكتاب وسجلت بعض من الكتب التي تحدثت عنها ولا سيما في آخر الكتاب حيث أدرجت ١٠٠ كتاب مصنفة بطريقة شيقة مثل: ١٠ كتب سأنقذها إذا احترقت مكتبتي ، عشر كتب لفتاة مزاجها جيد، ١٠ كتب واقعية تساعد على فهم العالم وهكذا.. وأجد دائمًا أن مثل هذا التصنيف مفيد ونافع وله حاجة كبيرة.. كثيرًا ما أنظر للكتب أنها توائم احتياج أو حالة مزاجية معينة.. فهناك كتاب أقرأها في رحلة استجمام وهناك كتب تصلح خلال رحلة طائرة طويلة ، وكتب تصلح لإعادة المزاج القرائي لحالته وأدرج ما تيسر لي في هذه السلسلة في تويتر:
يعيب الكتب عدم وضوحه أو ترتيبه على الرغم من صغر حجمه.
الكتاب السادس:
مكتبة ساحة الأعشاب – ايريك دو وميريل
العذوبة في صفحات.. نعم هذا أدق وصف يمكنني أن أمنحه هذه الرواية البسيطة: كتاب عذب. لقد سحرتني الرواية ببساطتها وتقليديتها، إنها تمس شيء في داخلي تسمم من المدينة ويتخيل في أحلام اليقظة شيئًا يشبه ما تعيشه ناتالي بطلة الرواية. لا يوجد حبكة ولا حكاية بسرد ساحر ولكن السحر يكمن في حديثها عن الكتب وكأنها أبطال هذه الرواية. رغم أني شعرت بعض الكرات بعدم الترابط بين الحكايات التي أدرجها المؤلف والشخصية المحكي عنها ولكنني بنهاية الأمر لم أتأثر كثيرًا بهذا الضعف ولا زالت عذوبتها تمتد إلى ساعات يومي حتى حينما أنهيت الكتاب. حتمًا سأنصح به بعض الأصدقاء فمزاج الرواية هادئ جدًا ومرة أخرى: عذب.
الكتاب السابع:
من كتبي، اعترافات قارئة عادية. – آن فاديمان
كتاب قصير أشبه بالتدوينات.. هذه الكتيبات ممتازة كوجبة خفيفة بعد كتاب دسم. تتحدث ان فاديمان عن علاقتها بالكتب ومكتبتها وعائلتها أيضًا. لقد نشأت لأب كاتب وتزوجت كاتبًا أيضًا، وهذا يوضح لك الكثر عن الوسط الذي تعيش فيه وكيف شكلت الكتب فصًلا ممتدًا في حياتها.. بعض المقالات مضحكة وبعضها الآخر ممتع وقليل منها ممل.. لقد جعلتني أتفكر ببعض الطرق التي أتعامل بها مع كتبي وكيف تغيرت مع مرور السنين.
تحتفي فاديمان بالكتب في أكثر فصولها فمرة تصف أسلوب عائلتها في القراءة ومرة تصف الصراع في دمج مكتبتها ومكتبة زوجها. في المقالات إشارات كثيرة لكتب ومؤلفين تجد أن في كتبهم ما يستحق القراءة، وأنا حقًا أحب هذا النوع من الإشارات وكأنه دليل توصيات لكتب لم يخطر في بالي أني سأقع عليها يومًا ما..
الكتاب الثامن:
القفز في الكتب – ميتشهيلد جليزر
رواية خيالية فكرتها تستند على عائلتين لديهم قدرة استثنائية على القفز في الكتب. الفكرة بحد ذاتها في غاية الروعة والتشويق ولكن الرواية مملة جدًا و أجد أنها ملائمة لليافعين والأطفال أكثر. تغوص شخصيات الرواية في كتب مثل أليس في بلاد العجائب، اوليفر تويست وماوكلي ونيفر لاند، تمنيت لو كان سرد الأحداث أكثر سلاسة وأقل حشوًا ، الحبكة ينقصها الكثير ففكرة بهذه الروعة تحتاج إلى حبكة تبقيك متيقظًا.
لقد استلقيت بعد انتهائي من الرواية البسيطة وفكرت في أي الكتب أود أن أقفز؟ وماهي الشخصيات التي سأتحدث معها؟ وهل سأقفز كل يوم أم سأجعله مهرب من الحياة الواقعية؟ أعتقد أن أول الكتب التي سأقفز فيها سيكون موضوعها عن غرناطة وقرطبة، وسأنزوي في حي البيازين . ماذا عنكم ؟ أي الكتب ستقفزون داخلها ؟ لا أعتقد أني سأحتفظ بالكتاب فمكتبتي ممتلئة ولا أجد له مكانًا يستحقه.
وهكذا.. أيام رائعة بصحبة الكتب والقراءة وشخصيات الأدب والروايات انقضت. ثمانية كتب خلال ثلاثين يومًا.. ألقاكم في ماراثون جديد لا أعلم متى يبدأ.
الماريسي
جميل، قراءة موفقة. تبدوا كتب مفيدة سأحاول الحصول عليها.
Enas
كتاب “رائحة الكتب” كان ختام قراءات هذا العام ومعه اكتشف أن معرفتي بالثقافة الإيطالية محصورة بالتاريخ الاستعماري الإيطالي لبلدي أو ببضع أسماء أدبية معروفة للقارىء العربي.لذا قررت أن أُعيد اكتشاف الأسماء المذكورة فى الكتاب الذى لايقتصر على الأدباء بل يضم أسماء شخصيات إيطالية متنوعة لعبت دور مؤثر خلال القرن 20 وتركت بصمتها فى التاريخ السياسي أو المعماري لليبيا مثل (جوسيبي باغانو) وهو مهندس إيطالي يعتبر أحد إبرز الأسماء التى تركت بصمتها على العمارة الإيطالية للمدن الليبية من خلال حركة العمارة العقلانية أوكما سُميت النماذج المنفذة فى ليبيا “
modern Mediterranean architecture
ROSEANNA
هل قرأتي كتاب سارقة الكتب؟
aniss
تبدو كتب مشجعة على القراءة اكثر. بالنسة لي أحب كتب أدب الرحلة، وأحب السفر مع الكاتب وأتعرف على ثقافات شعوب مختلفة.
منيرة
تدوينة ممتعة ولطيفة فكرة مارثون قراءة بحد ذاتها فكرة شيقة
أضفت لقائمة الكتب التي أود قراءتها كتاب أيها القارئ عد إلى وطنك وكتاب متعة القراءة
شكرا على إثرائك نوال