week 23 | شفاء للروح

باختصار.. تعاملي مع القرآن اختلف.. فاختلف كل شيء في نظري.. أصبحت أشياء كثيرة أجمل.. وأشياء لم تصبح سهلة لكني أصبحت أنا أقوى.. أشياء أخرى أصبحت أكثر وضوحا وجلاء عن ما قبل.. وأشياء كثيرة أصبحت مفهومة.. وأخرى لازالت غامضة.. تغيرت أنا ولم تتغير الأشياء.. أعدت النظر في كثير من أمور حياتي، أعدت النظر في علاقاتي وتصرفاتي ولازلت أعيد وأجاهد نفسي. لم ينزل القرآن إلا لنجعلنا ننطلق بلا خوف من الحياة -بل من خالقها-. فهو يطمئنا مرة ومرة يكشف لنا حقيقة الحياة في كلمة واضحة وصريحة -في كبد-. وفي مرات أخرى يحدثنا عن أناس عظماء عانوا مالم يعانيه أحد في هذا الكون لنعلم أن المعاناة هي طريق لشيء ماعظيم يجب أن ننجزه.. يهدء من روعنا تارة ويستحثنا للخوف من الله تارة أخرى.. يذكرنا برحمة الله التي سبقت كل شيء وينبهنا أيضا أن غضب الله لانقوى على احتماله. تقرأه بصدق فيتغير شيء ما داخلك.. كأن هناك فتح وانتصار في داخلك.. كأن هناك حرب في داخلك وربحت معركة أو شيء يشبه ذلك.. تشعر أن الأكسجين أصبح أكثر، والهواء أنقى. يعلمك الحقيقة بدون تزوير ولا تلميع.. الحقيقة والحقيقة فقط.. هذا القرآن عجيب، لا يُمل. معجزة ساحرة تجعل جلدي يلين !. وأقولها حرفيا لم أمر بمشكلة يوم وفتحت القرآن ولم أجد جوابا.. كل ما نعيشه الآن هناك شيء مثله أو يشبهه في القرآن، كل شعور وكل قضية. ليس كتاب فحسب إنه فرج.. إنه حياة وطريق نجاة.. أشعر أن تجربة الحياة ناقصة بدون القرآن الكريم . بدون آية تهزك.. أو بدون سورة تهرع لقرائتها لتطمئنك.

غير تعاملك مع القرآن وليس عليك أن تنتظر أن ترى الجمال، ستراه مباشرة.. تخلص من كل مافي رأسك من أفكار مسبقة وتفسيرات وتأويلات. لاتحبس نفسك. فكما يقول صالح الطريقي: “القرآن مقدس .. التفسير غير مقدس..” أدركت هذا الشيء ومن يومها وأنا أفهم القرآن أكثر وأستطيع أن أراه في يحاتي جليا. ومن قبل لم يكن للقرآن تأثير في حياتي كثيرا – بسبب فهمي والكثير من التدخلات في فهمي له – . أخرج من رأسك كل تأويل لآية لم تقتنع به أو حتى اقتنعت وتعامل مع القرآن وكأنه كتاب أنزل لك، تعامل معه كأنك تقرأه لأول مره وحاول أن تتوقف كثيرا عند آية وتعيد قراءتها وتفكيك معانيها وربطها بما تراه، أحضر دفتر وقلم واكتب.. اكتب كل مايجول بخاطرك عن ماقرأته هذا اليوم.. تلك الآية وما قالته لك والآية الأخرى وما استعصى عليك.. وما فهمته من الآية الأخرى ، وماذا استفدته من السورة الفلانية ! كل جمعة اجلس وكأنك تدرس سورة الكهف.. ستجد أشياء عجيبة، مذهلة ، رائعة يقولها القرآن خلال هذه السورة.. ستبكي كثيرا دموعا تطهرك وتحررك. ستشعر أنك بدأت رحلة جمال في كتاب مقدس.. ستشعر أنك لست وحدك.. لست وحدك الذي يمر بظروف صعبة.. لست وحدك الذي يريد أن يعرف الحقيقة. لست وحدك الذي فُرجت له من حيث لايحتسب. لست وحدك الذي يخاف – يحزن – يحبط – يخاف. لست وحدك أبدا.

لنعد أنفسنا جميعا أن نبدأ من الآن بإصلاح علاقتنا بالقرآن، حتى نستقبل رمضان بشكل أفضل .. حتى نعيش الحياة بشكل أفضل..  لنعط أنفسنا فرصة أن نفهمه ونحلله. لننصرف أكثر للفهم والتطبيق بدل الحفظ الغير مجدي. عنون يومك – أسبوعك بآية . عنون حياتك كلها بهذا القرآن الذي أنزل من أجلنا.. من أجل أن لانضيع ولا نحيد.. من أجل أن نشعر بمعية الله معنا وهو يقول لنا : ادعوني استجب لكم – إن ينصركم الله فلا غالب لكم .

أحب كثيرا ومنذ عرفت نفسي قصائد المناجاة..القصائد التي يخاطب فيهاا لعبد ربه.. يعترف ويرجو ويخاف.. يعبر ويقول مانريد أن نقوله. أشعر أنها تخاطب روحي وأنني أعيش حالة هلامية..  أحب الشفافية في هذه القصائد أحب فيها الصدق الطاغي.. أفضل قراءتها في كل وقت وأفضل أيضا تعليق بعض هذه الأبيات في غرفتي أو وضع بعضها في تصميم مقبول. وأحيانا أجدني أدعو بها لتتحول من كونها قصيدة لدعوة تجريعلى ألسنتنا حين نسجد أو نرفع يدينا له. هل لديكم قصائد مناجاة جميلة ؟ سأكون سعيدة بالمشاركة.

* القصيدة كاملة:
ندم وحزن هز كل كياني فانساب دمعي واستكان لساني
النفس حيرى .. والذنوب كثيرة والعمر يمضي … والحياة ثواني
يا نفس كفي عن معاصيك التي كادت تميت الحس في وجداني
أنسيت أن الموت آت, فاجمعي يا نفس من طيب ومن إحسان
أنا لست أخشى الموت , بل أخشى الذي بعد الممات, وعسرة السؤلان
ماذا أقول إذا فقدت إرادتي وتكلمت بعدي يدي ولساني؟
ماذا …. وكل جوارحي تحكي بما… صنعت …ولست بعالم النسياني
أخشاك يا شمس الشتاء فكيف لا أخشى العذاب وحرقة النيران
أنا يا الهي حائر, فتولني ولأنت تهدي حيرة الحيران
أنا إن عصيت فهذا لني غافل ولقد علمت عواقب العصيان
أنا أن عصيت فهذا لأني ظالم والظلم صنع من يد الإنسان
لكنك الغفار فاغفر ما جنت نفسي على نفسي….فأنت الحاني
أشكو إليك ضآلتي… ومذلتي فارفع بفضلك ما أذل زماني
ادعوك في صمتي, وفي نطقي, وفي همسي بقلب دائم الخفقان
ادعوك, فاقبل دعوتي, وارفع بها شأني, وكن لي يا عظيم الشأن
لك في الفؤاد مهابة…ومحبة يا من بحبك يستضئ كياني
أنا يا الهي عائد من وحدتي أنا هارب من كثرة الأشجان
من لي سواك يجيرني, ويعيدني من عالم الأهواء…. والشيطان
سدت بوجهي كل أبواب المنى فأتيت بابك طالب الغفران
يا رب أني قد أتيتك تائبا فاقبل بعفوك توبة الندمان
– أجهل قائلها 🙁

لازلت أتأمل في جمال الأذان وروحانيته.. الأمر الذي جعله يأتي لنا عبر “حلم” .. عبر رؤيا في منام أُناس صالحين.. لأنه جميل تماما كـ”حلم”. الآذان شفاء لو استمعنا له بوعي. الله أكبر يبدأ بها نداء الحياة خمس مرات.. لندرك أن الله أكبر من كل شيء.. من عملنا الذي يستهلك منا مايستهلكه.. الله أكبر من المال الذي نجمعه.. أكبر من المظاهر التي نسعى خلفها، أكبر من كلمة مؤذية.. أكبر من إنجاز حققناه.. أكبر من نوم يغلبنا.. أكبر من إحباط يفتك بنا.. أكبر من معوقات قد تبدو كبيرة. الله أكبر من كل شيء.. من كل شيء حرفيا.. الله أكبر من كل ما نقوم بعمله – مانواجهه في أي لحظة.. نُذكر بها خمس مرات وتُردد كثيرا في بداية الآذان ونهايته. لنعيش هذه الحقيقة ونمارسها وليس فقط لنسمعها..  الله أكبر من كل مايعترض طريقنا والله أكبر من غرورنا بما آتانا.. وغرورنا بما حققنا. الله أكبر من كل فرح وحزن.. حين نعلم أنه أنه أكبر من كل شيء لهذه الدرجة نجدد عهد العبودية والشهادة فنقول أشهد أن لا إله إلا هو.. ثم نعود لنتذكر الانسان العظيم محمد صلى الله عليه وسلم الذي بالإذن لشفاعته سنحاسب وسغفر لنا وسندخل الجنة برحمة الله. محمد الانسان العظيم الذي سنشرب من حوضه في يوم سنحتاج فيه ولو لقطرة ماء.. ثم حي على الصلاة حي على الفلاح.. شيء ما يقول في هذه العبارة أن الفلاح يأتي عبر صلاتنا . ننجح حين نصلي بوعي وإدراك تام أن هذه الصلاة ليست مجرد حركات وإنما طريقة تحقيق ما وجدنا من أجله.. دعوة للفلاح الذي يتحقق أولا بالصلاة ثم بالعمل. ثم نعود لنتذكر أن الله أكبر. ولذا هو الله لا شيء سواه. في كل مرة يرتفع فيها صوت الأذان أشعر أن هناك صوت خفي يقول: هيا بنا نعيش وقت مستقطع بعيد عن كل صخب الحياة الذي يغلفنا عن الحقيقة الكبرى أن الله أكبر.. أكبر من كل شيء.
* محاكاة ل ـــ .