الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير. أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.
أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا. وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب. وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم، أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت….اللهم فاشهد.
أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد. فلا ترجعن بعدى كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت … اللهم فاشهد. أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت….اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب. أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم.
اليوم هو يوم الحجة الأكبر حيث وقف الرسول في موضع نعرفه وتحدث إلى حجاج المسلمين عبر خطبة و وصايا مودّع لأمته، من شأنها أن تغيّر الكثير وتقلب الأحوال للأفضل إن فُهمت واتبعت. أصبحت تمر على أسماعنا خطبة الوداع كجزء من منهج ندرسه في المدرسة بشكل تقليدي جدًا لا يثير الانتباه، كتضمين في أحد كتب السيرة ، لكن لم نتمعنها بما يكفي ولم نتأمل وصايا الرسول الأخيرة و الثمينة لنا. لم نتأمل لماذا ركّز على نقاط معينة بإيجاز وافي وما علاقتها ببناء المجتمعات والأمم واستمرارها. اليوم فرصة التأمل والتدبر في هذه الخطبة الوافية وتجديد العهد مع هذه الوصايا.
رفاقي إن خطبة الوداع عظيمة، عظيمة لدرجة تجعلك تردد: لا ينطق عن الهوى. الإيجاز والتركيز على الامور التي من شأنها ان تصنع الحضارات او ان تودي بالمجتمعات الى القاع ، الإيجاز الذي يستحيل لأحد من البشر أن يصله ، الجمل القصيرة التي بإمكان الم}لفين شرحها في مجلدات! .. كانت وصاياه تتركز على بناء المجتمعات، وتصحيح الأوضاع.. عن ما من شأنه أن يكفل العيش بكرامة لجميع أفراد المجتمع المسلم، ويقيّم علاقتهم بالآخرين. حقوق الاخرين ودمائهم، وأعراضهم المحرمة علينا كحرمة هذا اليوم العظيم.. اقتصاد اسلامي بدون ربا وفوائد تنهك عيشة الانسان وتحيلها إلى ركض مستمر خلف المادة، المرأة وكيف يجب ان تكون مكانتها في المجتمع الاسلامي، الزواج الشرعي و وصيته الواضحة بتقوى الله فيه، فإن العلاقة بين المرء وزوجه أمانة ويجب أن يصون الواحد منا هذه الأمانة, ولأن الزواج أول لبنة لانتاج أسر محتلفة، أسر تصنع التغيير والاستقرار النفسي، كانت أمانة يجب أن تصان. عن تمكين المرأة وعدم تهميشها واستغلال نقاط ضعفها، وأن عضلها وظلمها هو الفتنة، الأنساب والحفاظ على طهارة المجتمع والفرد من تخالطها، الأمر الذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، نفسية وصحيّة تدمر المجتمعات من حيث لا تعلم. أن نصون المجتمع من كل ما يدنسه فالاسلام على كل حال سلوك وموقف. أوصانا بما من شأنه أن يوازن القوى و يمنع الظلم والاستغلال، أوصانا بالعدل و التفاضل بمقياس واحد فقط، مقياس التقوى و لا شيء غيره، لا عرق ولا نسب وأصل ولا مال.. الحفاظ على الترابط الأسري بتجنب الخلاف على الإرث والمادة التي من شأنها ان تفكك هذا الترابط المتبن في لفتة عظيمة أن الحذر من المال وفرط الحب في امتلاكه قد يودي بنا إلى مستقنعات مظلمة. وأخيرًا، السلام الذي هو من أولى مبادئ ديننا العظيم، من اثني عشر شهرًا أربعة حرم أكبر محفز للسلام وتجنب الحروب ..
خطبة الوداع كتاب بأكمله بل وأكثر، مفاتيح للتطور والحضارة المختلفة، الحضارة التي تقوم على التناسق بين الفرد ومجتمعه، ومع تعاليم الدين و سلوكيات الأمة. خطبة الوداع كنقطة العودة في كل مرة تفرط الأمور من مجتمعاتنا للتصحيح. قبل ألف سنة وتزيد في مثل هذا اليوم العظيم وصّانا الرسول بكل ماسبق وأكثر، نسفنا كل هذا بعرض الحائط منذ مئات السنين. فلم تقم لنا قائمة، نتنازع حول حقوق، نظلم المرأة نسيء استخدام السلطة، نقدّم النسب على كل شيء، نتعنصر لما نهينا عنه، ونتفاخر بما نملك من مادة بشكل مثير للشفقة. نتحارب فيما بيننا، نهجّر بعضنا، ونحيك المؤامرات لنلحق الضرر ببضعنا الآخر. نحفظ ونردد من القرآن مانريد ونهمل أكثره. أرجو أن لا نضيع أكثر وأبعد من ذلك. وصايا الرسول ليست مثاليات لانستطيع الامتثال بها، ليست نظريات تبقى على الورق، ليست حكم تقليدية تمر على مسامعنا مرور الكرام، إنها خطوط عريضة للخلافة في الأرض وبناء الذات، طُبّقت في أزمان كثيرة. بقدرة الجميع أن يعيش بهذه الوصايا فيغيّر نفسه. يغيّر محيطه.
مرام
الله يفتح على قلبك ويزيدك من فضله نوال
Nawal
واياك يارب 🎀
سارة
ربي يكتبك من السعداء في الدنيا والآخرة